لا توجد في بلادنا جالية هندية او اردنيون من اصول هندية، ولا ننتمي الى اسبانيا بنوع من الجينات، حتى ننعش مهرجان الالوان او مهرجان الطماطم، في بلاد الهند هناك مهرجان الالوان وشاهدناه صِغارا في فيلم الشعلة للممثل اميتاب باتشان، وهو فيلم اكتسح دور العرض بشكل مخيف ومع ذلك لم تجذبنا الالوان لاقامة مهرجان لها، واكتفينا بالخربشة على الجدران ودفتر الرسم، واكتفت شقيقاتنا بالخربشة القليلة و” تلييط " الوجنتين بما تيسر من اصابع التجميل في المنازل وكان هذا المهرجان اللوني ينتهي بأصابع مرسومة على الوجه غالبا وبسحجات على الاكتاف واذا ما اشتد الامر فثمة خطوط رسمها بربيش الغاز بمهارة.
لا نملك كمجتمع ايضا مهارة الطرفة ولا الابتسامة الواسعة على الوجه لتصبح المهرجانات ثقافة جمعية بما يصاحبها من ممارسات خارقة لثقافتنا في الدعابة والمُزاح، فنحن نقاتل ذباب وجهنا فكيف سنحتمل ان يضربنا أحد بحبة بندورة وربما تكون من النوع العجر فتضاعف الالم او طرية فتتذكر اعتراضات الجماهير الغاضبة وقذف المسؤول بالبندورة " المخمجة والبيض الفاسد " وكما اسلفت ليس في جيناتنا سلالة اسبانية لاحياء هذا الطقس.
كما يتذكر كل واحد من جيلنا ومن الاجيال اللاحقة جملة الام الموجعة " إلبس بيجامتك ونام " وغالبا ما تتبعها بعض الاوصاف للنوم لا مجال الى ذكرها اذا ما اظهر احدنا تبرمه بقرار النوم، فالبيجاما ملازمة للنوم ومصاحبة له، وكان من العيب ولا يزال ظهور شخص بملابس النوم في الحارة حتى لالتقاط صحن حمص او فول او لشراء شيء من البقالة، وفي ظروف غامضة فقدنا البيجاما ولم نعد نراها او نسمع عنها بل وباتت مقتنيات اثرية لجيل الشورتات واطقم الرياضة المُستخدمة في النوم، فكيف عادت الى الظهور بكرنفالية عجيبة ؟
اليوم نصحو على دعوة لمهرجان رابع هو مهرجان الخمر، مع اننا لسنا دولة زراعية تعاني من فائض العنب الذي بالكاد يكفي لتحلية افواهنا من مرارة الحياة، وسهول حوران باتت غابة من الاسمنت، والشعير يوزّع بالبطاقة، وباستثناء ابناء مذيب حداد ومصنعهم على طريق الزرقاء – الرصيفة، لا توجد صناعة رائجة للخمور، فلماذا المهرجان التسويقي اذن؟
كل ما سبق عرض بسيط وعجول لبيئة الاردن الثقافية حيال مواضيع المهرجانات المطروحة على الساحة المحلية بكثافة وبتزامن بغيض مع العدوان على غزة وتفكك الدولة العربية وانهيار الامن الاجتماعي والسياسي الذي نجى الاردن منه بوعي المجتمع وحصافة الدولة بكل مكوناتها الرسمية والحزبية والنقابية وقوى المجتمع المدني.
مما يدفعنا الى السؤال القلق، لماذا الآن ؟ وكيف تظهر دعوات لمهرجانات لا يحمل المجتمع الاردني لها اي صلة ولا تتوفر لها بيئة حاضنة، فالمهرجان سلوك تسويقي لسلع او منتجات او للتعريف بواقع الدولة واثارها وبنيانها السياحي والاقتصادي ؟
لا اقصد الاشارة او تحميل الوزر كله لنظرية المؤامرة وإن كانت موجودة في هذه المهرجانات، ولكن الحاضر الاكبر فيها هو غياب التربية الاجتماعية والوطنية وغياب الاشغال الواعي والايجابي لجيل جديد يعاني من تجريف في كل شيء، وصرخة وزير التربية والتعليم الاخيرة بتراجع التعليم وتفشّي الامية صرخة منقوصة لانها لم تترافق مع غياب التربية ايضا.
فشباب المدارس لا يعرفون مهرجان الحصيدة الشعبي ولا موسم قطاف الزيتون الذي شاركنا فيه خلال دراستنا الجامعية ولا يعرفون سري ناصر وبرنامجه في حي نزال للخدمة الاجتماعية، فلجأوا الى تعبئة الفراغ من الخارج، بالالوان والطماطم والبيجاما، الازمة اننا اورثنا الشباب ازمة الفراغ وغياب البرامج الوطنية والخدمة الاجتماعية حتى دق الخطر ابوابنا وعلينا الاستيقاظ سريعا وإلا !!