ما يجري حالياً من اعتصامات غير مبرمجة في كافة أنحاء المملكة، لا يمكن بحال من الأحوال أن يخدم قضية تُطرح على المستوى الوطني، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن أي تحرك سياسي أو شعبي لتحقيق مطالب لا بد أن يصب في النهاية في مصلحة كافة عناصر معادلة الإصلاح في البلد، وفي كافة المواقع والقواعد الهرمية.
الاعتصامات على أساس الموضة، وركوب الموجة، أصبح السائد على حساب قضيتنا الأولى وهي الإصلاح. ذلك أن الفوضى التي تعمّ اتجاهات الاعتصامات الحالية، بين الشارع، والمدرسة، والمؤسسة، والنقابات... ستكون خدمة لتعزيز السراب وتقويته على حساب الواقع الذي يحتاج إلى تركيز عالٍ إذا كان الإصلاح هو المطلب الصادق، وليس شيئاً آخر يرف بجناحيه في سماء شاسعة بلا وجهة دقيقة. يستطيع الجميع ملاحظة أن سهولة الاعتصام أدى في الآونة الأخيرة إلى شيوع برنامج شعبوي في تنظيم الاعتصامات، وميول نزعوي إلى تعميم المصطلح على حساب المفهوم والغاية، فمن المستفيد من هذه الفوضى؟ ومن هو المسؤول عن التنظيم الصحيح لفكرة الاعتصام في المجتمع؟
الإجابة تقودنا إلى دور مفقود لوزارة التنمية السياسية التي أُسست لتقوم بدور ريادي في مثل هذه الأوقات العصيبة التي يختلط فيها الزيت بالماء، ويكثر فيها الغش السياسي لصالح تمييع المفاهيم الرائعة التي تربى عليها جيل كبير من الأردنيين في سنوات خلت، وهو الجيل الذي يقف اليوم متحسراً على هذا المشهد الفوضوي في الحياة السياسية الأردنية، رغم محاولات البعض في النقابات والأحزاب الراسخة، وضع أسس تفرض احترامها على المسيرات الكبيرة في عمان.
العتب واضح من كل سياسي حر، قلبه على الوطن. ولا يمكن لأي عاقل غيور إلا أن يطالب الحكومة بإعادة النظر بدور وزارة تحمل اسماً لا يمت لدورها الحالي بصلة "التنمية السياسية". وكنا في السابق ننادي بأهمية أن يتضح دور هذا الجهاز الحكومي لحساب وطن بأكمله، وثبت أن ما نادينا به كان حقاً، وأن أسس تكوين دوائر وأقسام تعمل حالياً في هذه الوزارة كانت غير متينة البتة.
أذكر أن لقاءً جمعنا في العام 2007 مع الدكتور كمال ناصر إبان توليه لوزارة التنمية السياسية، وكان الحديث عن تعديل سياسة التنمية في هذه الوزارة، وليس تنمية السياسة في الوزارة. بمعنى أن سياسة التنمية الخاصة بهذا الجهاز تحمل مفهوماً خاطئاً، وأن التنمية السياسية في نهاية المطاف يجب أن تمر بسياسة تنموية صحيحة لتعطي ثمارها، وللأسف كانت وعود الوزير السابق بتعديل أسس الاستقطاب والتعيين في الوزارة، ومهامها، وطرائق قيادة مشاريعها، مجرد سحابة صيف.
عدد غير قليل من الساسة لا يؤمن بدور يمكن أن تقوم فيه الحكومة الحالية في اتجاه التنمية السياسية للمجتمع، ولكن ما دام لدينا جهاز يُعنى بهذا الشأن، ولديه ميزانية، وموظفون، ووزير متخصص، منصبه سياسي بالدرجة الأولى، فلا بد أن تزيد المطالبات بتعزيز مشاريع هذه الوزارة لمحاربة فوضى الشارع "السياسية" العارمة في البلد، والتي ظهرت جلية في الآونة الأخيرة فيما يسمى "الاعتصامات"، وإلا سيخرج الشارع ليرفع شعار "الشعب يريد تغيير وزارة التنمية السياسية لتصبح وزارة خدمية بحجم ميزانيتها وطاقاتها البشرية".
f.naasan@alghad.jo
فراس النعسان