من الحقائق المؤلمة؛ أننا كأمة ومجتمعات لم نساهم في شيء يذكر في الحضارة العالمية منذ القرن السادس عشر ،اي منذ بدء عصر الثورة الصناعية في أوروبا وحتى هذه اللحظة.
وهذا الشعور بحد ذاته يولد الحسرة في النفس بسبب ما آلت أليه احوال المجتمعات العربية، بينما نرى الأمم الأخرى ساهمت وما زالت تساهم في تقدم متسارع يكاد من سرعته يخطف الأبصار في ثورته الصناعية، ونحن الشعوب المستهلكة لم نقدم للبشرية منذ ذاك القرن إلا القتل المذهبي وتكفير الأمم.
الإنسان بطبعه معرض للصواب والخطأ، وفقهاء مجتمعاتنا كباقي البشر معرضون للصواب والخطأ، ومنهم كانوا وما زالوا رهن سلطة الحاكم ونفوذه، وما آل اليه الحال من تراجع في كافة نواحي الحياة، تسلل الى الاسلام من ابواب الدولة وحكامها عبر العصور الى ان خرجنا عن مبدأ ديننا الحنيف، وأخرجناه من العقول والقلوب، ومسحنا بهجته من النفوس، وقمنا على اعادة انتاج هوية اخرى لنا تميزنا هي: التطرف والعنف و الكراهية وعدم قبول الآخر، وقمنا بتحويل آخر الاديان من دين وحضارة التسامح والمحبة وقبول الآخر الى التقوقع بفكرنا "الكراهية والمذهبية وعدم تقبل الآخر".
وذلك أوصلنا الى عجز لا مبرر له، فيما الشعوب التي لا تمتلك الإمكانيات المادية والبشرية التي نمتلكها تتصرف بمسؤولية واعية أمام مستقبلها، وتحاول أن تفرض نفسها على العالم في خصوصيتها ومكانتها واحترامها لذاتها، بينما نحن على الجهة المقابلة استسلمنا لعجزنا وصدقنا وجود هذا الوهم الذي زرعته النظم وصدقته الشعوب العربية..
وها نحن اليوم؛ نقطف الحصاد المر بعد ان انعكست حالة الفوضى في ما يسمى في "الربيع العربي" التي أزاحت الغطاء عن الحقد الدفين، ونفثت سمومها الفكرية في المذهبية والعنصرية، وقامت بتعبيد جسر عبور الماسونية مدسوسة بالفكر الصهيوني، ونجحت في سلخ الأمة عن كل ما يوحدها عبر استغلال وسائل الاعلام المختلفة في ترويج سمومها عبر الفضائيات المرئية والمسموعة والمكتوبة.
تاريخيا، كان اغتيال الخليفة الإمام علي بن أبي طالب وانتقال الحكم الى الأمويين بداية الطريق وبداية التحول والانتقال إلى الحكم بالقوة والقهر وصولاً إلى التوريث، وهذا الأمر تكرر في المجتمعات العربية والإسلامية إلى أن دخلت عصر الظلام السياسي مرة أخرى ولم تخرج منه حتى يومنا هذا، بل بقيت هذه المشكلة على اتصال وثيق بشخصية الانسان العربي منذ ذلك التاريخ حتى أصبحت صفة مميزة للمجتمعات العربية.
ان الفهم الخاطئ لمفهوم "القضاء والقدر "الذي ادخلته منظومة الحكم الوراثي في عقلية الانسان العربي اصبحت متجذرة في فكرنا، وساهمت في إعاقة اي إرادة في التغيير السياسي إلى أن اصابنا هوى الإتباع والطاعة والإمتثال للسلطة التي نظمت حياتنا الاجتماعية والسياسية عبر القرون، وأصبحنا نتطلع إلى إحسان الدولة ومكارمها في خنوع مطلق، وهو ما أدى إلى تقسيم المجتمع على أساس الوجاهة والمكانة الاجتماعية في العائلة والقبيلة والمذهب الديني على حساب قيم المساواة والمواطنة إلى أن أصبحت شخصية الانسان العربي منغلقة على نفسها خوفا وتحسبا لقوة الدولة.
وهنا، وظفنا ما جادت به الذاكرة الشعبية من الأمثال لتبرير خنوعنا فـ(العين لا تعلو على الحاجب)، و(الناس على دين ملوكهم)، (إبعد عن الشر وغني له)، والكثير الكثير من هذه الأمثال التي ساهمت في ترسيخ الخنوع حتى غدا ثقافة وإلى الخوف من الحرية وصولا الى القبول بمبدأ عدم وجود اية ارادة في التغيير، وبالتالي فان الديمقراطية لا وجود لها في العالم العربي ، وان وجدت فهي شكلية وغير حقيقية تمارس بشكل مشوه عبر ديكورات تتغير وتتبدل.
للأسف، لقد نسينا ان بداية التاريخ الهجري هو تاريخ الدعوة وبداية فجر الإسلام وبداية اول حكم للمدنية مبني على أسس الشورى وعلى ممارسة الحرية والتسامح والتوافق مع المعارضين, والبدايات الاولى لبناء انسان عربي جديد من رحم منظومة الجاهلية الى الديمقراطية من خلال قدسية مكونات الكرامة الشخصية والحرية والمساواه والعدالة, ولكن هذه المحاولة في إحداث تحول في المنظومة السياسية العربية والإسلامية أجهضت بمجرد انتقال الحكم الى الامويين.
ولعل وصفة الخروج من هذه الحقيقة المؤلمة للحاق بركب الحضارة العالمية ان نعيش بهذا العالم بمسؤولية، وان نشارك الشعوب في العالم في خصوصيتنا ومكانتنا واحترامنا لذاتنا، وان نصبح شعوب مشاركة منتجة في هذه الحضارة من خلال البدء في انتاج نظام خاص لنا مبني على قيمنا الانسانية لفهم جديد للاسلام مبني على البحث العلمي والاجتهاد مع القيام بمراجعة حقيقية واقعية، وان نخرج من ما انتجه علماؤنا الماضون بطرق جديدة تناسب العصر الحالي مع مراعات احترامنا لمسيرتهم وتاريخهم ونتاجهم الديني والفكري.
الكابتن أسامه شقمان