الموضوع باختصار هو أنّ جزءا مهما من وعيي الخاص أصبح يتطوّر تبعا للعلاقة المتشكلّة والمُتحوّلة مع "النت". فمن بداية الصباح، وفي منتصف اليوم، وحتى قدوم الليل، ولحين تعانق العقربين بتمام الساعة الثانية عشرة، أصبحت أوقات تدور في معظمها حول قراءة رُزم من "الإيميلات" والرسائل والمواقف والنظرّيات والتحليلات، التي يبعثها الكل للكلّ على البريد الإلكتروني، وعلى "فيسبوك" و"تويتر" و"واتس آب" وغيرها من التطبيقات. وباستثناء هدنة فترة "صباح الخير"، وتلك قصيرة جدا، تنتقل أخبار الظهيرة وما بعدها على ترددات عالية جدا، ما يدفعني لاشعوريّا لأن "أتجلّس" على موجة فنجان قهوة سريعة "نسكافيه"! وفي فترات العصر، وبكبر حجم الإشاعات على الشبكة وانعدام الدقّة، والتهويل "OMG"، تظهر مساهمات الصحافة الأردنيّة كعلامة جديّة وفارقة ضمن المحتوى المحلّي. وبين تلك من حصد رقما يستحقّه من الـ"لايكات" من تعب ليلة سبقتْ. وعند الغروب، يبدأ عدد لا بأس به من الأصدقاء الحقيقيين بالظهور، وتلمع صفحات بعينها وبمحتويات نادرة. كما توجد "كورسات" جاهزة لمناهج تفتخر بها أي جامعة عصرّية، وتوجد مواقف، ومواقف محسومة، وسياسات مُعلّبة، ومتطوّعون ومتتبّعون، وشخصيّات لم نحلم للحظة أنّنا سنلتقي بها وبكل هذه الوجوه السعيدة "L.O.L"، والسعيدة جدا "L.O.O.L".
ونظرا لواقعيّة التواصل، ولسخونة النقاش في القضايا الإشكالية؛ تحديدا الطقس، والجرائم، وجرائم الشرف، وأداء النوّاب، ورواتب الوزراء، وأمور البنية التحتيّة؛ وإدراكا منها لإرهاصات المجتمع، ومن باب التعاطف غير المشروط، تدخلُ شخصيّة جادّة على الخط. وهي خفيفة الدم، لكنها تبقى رغم أنفها وقورة جدا، ولا تمزح "NJK"، تدفع بثقافة الشباب ولكنها تعتصم بحبل اللاموقف، وبالحياد إلى اللحظات الأخيرة، فتتكئ يمينا على نظام داخلي، وشمالا على صفحة يساري ما يزال يؤكد حُبّ اليسار قبل حُبّ المرأة. وفي الفضاء أيضا رجل دين، يدعو لها وللجميع بأن يمضي يومهم داخل وخارج "فيسبوك" على خير، فقط إن صانوا لسانهم، وداروا حصانهم، وامتنعوا عن تمرير الأذى، وواظبوا على ردّ الأذى، لكي لا يكونوا شركاء أمام الله والعباد في الأذى، وبالإشارة إلى الكُتُب، وما ورد في قانوني العقوبات والمعاملات الإلكترونية المُعدّلين.
وللتوضيح، من راقب الناس مات همّا وغمّا، من داخل وخارج "فيسبوك"! لكن ما نلتقطه اليوم، هو الذي يأتينا حتى نوافذنا، وليس الذي نبحث نحن عنه بالضرورة، وهنا يكمن الفرق! أقول إنّ السلطة العامة، بمحتوياتها الرصينة الكاملة، لم تنقلب إلى الشبكة العنكبوتيّة، ولم تنتقل أيضا السلطة الشعبية بأجزائها الأصليّة ما عدا بعض التجمّعات بمكوّناتها الطبقيّة والعشائريّة الخاصّة. والمكتبة العربيّة والكتاب العربي يحبوان نحو الشبكة. والتدوين والإدخالات اليدويّة على "ويكيبيديا" ضعيفة نسبيّا مقارنة بجهود التوثيق الدوليّة. وعليه، أجد أن الفائدة الوحيدة أو المنطقيّة، هي في اللجوء إلى العمل الافتراضي من خلال المواقع الإلكترونية وصفحات ومواقع النشطاء، ضمن إدارة عامّة جدّية ومتعاطفة، في سلسلة التشبيك الإيجابي بين الأفراد والجماعات، وبمبدأ التعزيز والإدارة العامّة وحلّ المشكلات. وهذا هو الدور الوحيد العقلاني في قضيّة التواصل الجديد على الإنترنت؛ فحكومات الظل عندنا لم تتبلور بعد!
وفي الليل هدنة إجبارية، تحضر بالموسيقى وبظلّ الشعر وبالغزل. ولا يُنقذ يومي من قفر المحتوى، إلا بضع ترجمات، وقراءات في العلوم والبحوث وخفّة دم، وفلسفة من هنا وهناك. ما عدا ذلك فالوضع عندي "L.O.O.O.L"، والقارئ على "فيسبوك" قد كبر على المُعلّبات، وهو يتوق إلى الأصالة والتواصل والثقافة، عن بعد ألف صديق.