أخبار البلد - عبد الباري عطوان - القرار السعودي بـتجريم»حركة « الاخوان المسلمين» ووضعها على لائحة «الارهاب» ستكون له تداعيات خطيرة جدا، وسيفتح صفحة من العداء مع اكثر من عشرين فرعا للحركة تنتشر في اكثر من 17 دولة يحظى معظمها بالشرعية كحزب سياسي مرخص من قبل السلطات الرسمية، لكن جماعة الاخوان المسلمين في الاردن، وحركة «حماس» في قطاع غزة ستكونان اكبر المتضررين حتما.
السلطات السعودية لا تستطيع اتخاذ اي قرار عقابي ضد حركة «حماس» في قطاع غزة، لانه لا توجد اية علاقة او اتصالات بين الجانبين من الاساس، ولم يحظ اي مسؤول في حركة «حماس» بأي استقبال رسمي من قبل مسؤولين سعوديين، والمرة الوحيدة التي دعت فيها السعودية مسؤولين من حماس كانت عندما حاولت ترتيب مصالحة بينهم وبين حركة فتح في اجتماع مكة في شباط (فبراير) 2007 وهي المصالحة التي تمخض عنها اتفاق بتشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة اسماعيل هنية، ولكن هذا الاتفاق لم يعمر طويلا، فقد اندلعت اشتباكات بين «فتح» وحركة «حماس» سمتها الاخيرة بحركة «الحسم العسكري» وتمكنت في نهاية المطاف من السيطرة الكاملة على القطاع في 14 حزيران (يونيو) من العام نفسه (2007).
منذ ذلك التاريخ لم يزر اي مسؤول من حركة «حماس» المملكة العربية السعودية، وان زارها فمن اجل اداء «العمرة» وزيارة الاماكن المقدســــــة في مكة والمدينة فقط، ومن دون السماح له باجراء اي اتصالات مع المسؤولين.
الضغط السعودي على حركة «حماس» سيتم من خلال السلطات المصرية التي وضعت الحركة على قائمة «الارهاب منذ فترة، وحظرت نشاطها واغلقت مكاتبها، وجمدت ممتلكاتها ودمرت انفاقها وفرضت عليها حصارا سياسيا واقتصاديا بتهمة دعم حركة الاخوان، والتدخل في الشؤون الداخلية المصرية.
مسؤول كبير في حركة «حماس» عبر لي، في مكالمة هاتفية، عن القلق الشديد من جراء تفاقم الخلاف القطري السعودي، وقال ان قيادة الحركة عقدت اجتماعا سريا لدراسة هذا الخلاف وانعكاساته المستقبلية عليها، واشار الى ان نجاح التحرك السعودي في «اجبار» قطر على قطع علاقاتها مع حركة الاخوان التي تمثل «حماس» ذراعها العسكرية المقاومة في الارض المحتلة ستكون له انعكاسات كارثيـــــــة، لان قطر هي الداعم المالي والسياسي الاكبر وشـــــريان الحياة الوحيد تقريبا بالنسبة الى حركة «حماس».
وكان لافتا ان رد فعل حركة «حماس» على القرار السعودي المذكور كان الصمت المطلق، ولم يصدر اي تعليق عن اي مسؤول «حمساوي».. سواء على خطوة السعودية بتجريم حركة الاخوان وفروعها، او على الخلاف القطري السعودي على عكـــــس اشقائهم في الاردن الذين كانوا اكثر شجاعة حتى من المتحدثين باسم «التنظيم الام» في التعبير عن معارضتهم لهذا القرار.
فبينما قال المتحدث باسم حركة الاخوان في مصر ان الحركة ليس لها اي فروع في السعودية وصف السيد زكي بن ارشيد نائب المراقب العام لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن القرار السعودي بانه «متسرع وانفعالي» وقال «نستغرب اتخاذ السعودية هذا القرار في هذا الوقت الذي تتعرض لتهديدات المشروع الامريكي والصهيوني علاوة على تخوفها من المشروع الايراني في المنطقة».
ولعل اقوى ما جاء في بيان الشيخ بن ارشيد قوله «هل من المعقول ان تتفق السلطات السعودية مع الطاغية السوري بشار الاسد في معاداة الاخوان وقمعهم».
نظامان في المنطقة العربية قاما واستمرا نتيجة تحالف بين اسرة حاكمة وحركة دينية، الاول هو نظام آل سعود، والثاني هو النظام الاردني، الاول قام نتيجة عقد سياسي واجتماعي مع الحركة الوهابية، والثاني ثمرة تفاهم مع حركة الاخوان المسلمين.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة حاليا هو كيفية وشكل رد السلطات الاردنية على قرار السعودية تجاه حركة الاخوان، بمعنى آخر هل ستؤيده وتطبقه بالتالي، وتحظر نشاط الحركة الاخوانية (جبهة العمل الاسلامي) ام انها ستفضل النأي بنفسها عنه.
العلاقات التحالفية بين المملكة العربية السعودية ونظيرتها الاردنية قوية للغاية، ولا نكشف سرا اذا قلنا ان هذه العلاقة هي السبب الرئيسي لتدهور العلاقات بين الاردن ودولة قطر، ورفض الاخيرة تقديم اي مساعدات للاردن وتضييق الخناق على اقتصادها، ومنع التعاقد مع حملة الجنسية الاردنية للعمل في مؤسساتها الاقتصادية.
مجاراة الاردن للسعودية ومصر في «تجريم» حركة الاخوان ربما تترتب عليه نتائج لا يمكن التنبؤ بخطورتها، خاصة في هذا الوقت بالذات الذي يعيش فيه الاردن وسط حقول الغام ومحيط جغرافي متفجر، فالازمة السورية تزداد تعقيدا بعد فشل الرهانات الامريكية والسعودية والقطرية على اسقاط النظام، والاوضاع في العراق على حافة بركان شديد الانفجار، اما الاراضي الفلسطينية المحتلة فقد تشهد انتفاضة ثالثة في اية لحظة بسبب فشل السلطة ورهانها على السلام.
السلطات الاردنية تقف حاليا اما خيارات صعبة جدا، وايا كان قرارها في هذا الاتجاه او ذاك سيكون مكلفا، واسلم الخيارات هو «خيار الصفر» اي عدم فعل اي شيء.
*رئيس تحرير صحيفة «راي اليوم» الالكترونية المستقلة