أخبار البلد - ماهر ابو طير
قبل شهور تقدم اكثر من اربعين نائبا بمذكرة للعفو العام،والمذكرة اختفت،فلا هي في ادراج رئاسة النواب،ولا في اللجنة القانونية،والنواب يسعون للسؤال عنها وتفعيلها،فلايجدون لها اثراً ولابعض اثر.
مذكرة العفو العام،والاقتراح بمشروع للعفو العام،يستثني فئات معينة،قد لايختلف احد على استثنائها،وبرغم ذلك فإن المعلومات تقول ان هناك رفضا عجيبا لفكرة العفو العام،وكأن العفو العام هنا،سبب لمزيد من الجرائم.
لا احد يريد العفو عن اولئك الذين يشتركون في عصابات لسرقة السيارات او السطو المسلح والقتل،او اولئك الذين عليهم مائة قيد جرمي،ونحن نتحدث هنا عن عفو يشمل عشرات الاف المطلوبين على احكام الحق العام الذي يمكن التصرف فيه،بمعزل عن حقوق الافراد الشخصية،ونتحدث عن عفو عام لانقاذ الاف العائلات التي يتم تدميرها اقتصاديا واجتماعيا لوجود رب العائلة في السجن؟!
الاف البشر يقبعون في السجون على كمبيالة او شك او ايجار منزل،لانه عاجز عن الدفع،وليس لكونه نصابا محترفا،الاف العائلات ايضا تدفع العقوبة مع السجين،وبدلا من كون العقوبة سببا في تحصيل الحق،تصير سببا في ضياع الابناء،وانحراف البنات،وخراب كل البيت،فأين هي العدالة اساسا في هكذا اوضاع تُحوّل العقوبة من فردية الى جماعية؟!.
في الاسلام ذاته لاعقوبة بالسجن،وهذه حكمة ربانية عظيمة،لان السجن يؤدي الى تدمير شامل وكامل،فوق ان بيئة السجون تجعل المخطئ لسبب بسيط،يخرج وقد انتسب الى عصابة،واحترف الاجرام،وكأننا نؤهلهم لمزيد من الجرائم.
ثم ان هناك الاف القضايا التي اسقط اصحابها حقهم الشخصي فيها،ويمضي السجناء،مدد حكمهم،على خلفية احكام الحق العام،وهذه غريبة حقاً،فاذا كان المتضرر واهله،اشهروا عفوهم عن المخطئ،فلماذا يبقى المحكوم في السجن؟!.
اوضاع الناس صعبة،ولابد من مبادرة للتخفيف عن اولئك الذين يمكن التخفيف عنهم،دون ان نضر البلد والناس،ولا اعرف لماذا كلما اثير موضوع العفو العام،يخرج علينا من يتذكر فقط المجرم الذي حرق جاره بالاسيد مثلا،ولايتذكر مقابله الالاف من اصحاب القضايا العادية؟!.
مئات السجناء في السجن لان مطلقاتهم رفعوا عليهم قضايا نفقة،ولانهم يتعثرون في الدفع يتم سجنهم،فأين هي العبقرية في هكذا احكام،تجعل الذي بلا عمل مثلا،او الذي يدفع شهراً وُيقصّر في شهرين،يجلس في السجن،لمدة طويلة،فتنفق الدولة عليه،ويتوقف عن الدفع كليا لعائلته،لانه في السجن،هذا فوق اضرار حبسه المتمثلة بغياب عينه عن بناته وابنائه.
ثم ان هناك تعسفا في استعمال القانون،فالذي يريد كمبيالة من شخص قيمتها الف دينار او اقل،ولايدفعها صاحبها،خصوصا،في ظل التعثر الاقتصادي،يزج بخصمه في السجن لشهور،وكلما خرج اعاده الى السجن في حكم جديد،فيسترد ماله الف ضعف،على طريقة شايلوك اليهودي،من لحم الخصم،ودمه،وفي دول كثيرة لم تعد هناك عقوبات اساسا على القضايا المالية،باستثناء النصب المحترف.
ملايين الدنانير التي يتم انفاقها على السجون والنزلاء،لو تم توزيعها على مئات الاف المطلوبين لسقطت قضاياهم،وليس كل سجين او مطلوب،مجرم او انسان سيىء،فهناك عشرات الاف المطلوبين،وقعوا في مشاكل دون رغبة منهم،او لتعثر في حياتهم.
اين ذهبت مذكرة العفو العام؟ ولماذا لايقف النواب وقفة رجل واحد،وتقديم شيء للناس؟ اذ لابد من السعي لاصدار عفو عام،ونقبل طبعا استثناء من لايختلف احد على استثنائه،فيما نريد استبدال العقوبات بالسجن ببدائل اخرى،خصوصا،في ظل هذه الظروف.
كل شيء يجري عندنا بالمعكوس،فهاتك عرض طفلة يمضي في السجن وقتا يعادل المتعثر في دفع الايجار،خصوصا،اذا اعيد كل مرة بحكم جديد،ومجموع احكامه قد يفوق بعد سنوات،حكم هاتك العرض.
لابد من وقفة امام ملف السجون والعقوبات والعفو العام والخاص،بدلا من دفن الرؤوس في الرمال،واذا بقيت سياسات العقوبة بهذه الطريقة،سنحتاج الاعوام المقبلة الى استاد عمان،لزج المطلوبين جماعيا في ساحاته وعلى مدرجاته،لعدم كفاية السجون الحالية.
mtair@addu