أخبار البلد – سامر خير احمد
يقول المهندس خالد سويسة، تعليقاً على مقالي السابق "عمّان وباصها السريع" (21/12/2013): إن علينا "قبل الذهاب للباص السريع وانتظار سنوات تنفيذه، وهو الذي لن يغطي كل مدينة عمان وتجمعاتها السكنية، أن نعمل على تنظيم الفوضى القائمة في قطاع النقل، من خلال تكوين شبكة نقل تعمل بنظام الجداول. إذ كم من باص يقف حالياً نصف ساعة مثلاً، ينتظر اكتمال الركاب من محطة انطلاقه، بينما يتكدس الركاب على الطريق؟! وهكذا فالموضوع أكبر من الباص السريع، ولا يحتاج عطاءات بالملايين، بل يلزمه معرفة بتنظيم هذه العمليات، وهو أمر معروف حتى هندسياً".ويضيف: "التكنولوجيا الحديثة تُقدم معلومات ضرورية في معرفة أنماط انتقال السكان خلال النهار، لمخططي أنظمة النقل. فشركات الاتصال تحتوي على كنز من المعلومات في أنماط انتقال المشتركين خلال ساعات النهار والليل، بدءاً من أماكن انتقال الناس الأكثر زخماً، وأماكن مكوث الناس خلال ساعات النهار في العمل. إذ إن هناك فرعا جديدا في العلوم اسمه "Big Data Analysis". وقد بدأت الشركات التجارية باستخدام هذه المعلومات لتحديد أماكن فتح فروع جديدة لها، بناءً على تلك المعطيات الواضحة". ويرى المهندس سويسة أن "بإمكاننا الاستفادة من هذه التقنيات لوضع خطة جيدة للنقل العام، مستفيدين من معرفة حجم الكتل السكانية المطلوب نقلها من أماكن الزخم إلى أماكن عملها وبالعكس، وتوقيت هذا النقل".ويضرب سويسة مثلاً بقوله: "مدير التدريب في الشركة التي أعمل بها من الهند، وعمره فاق الخمسين عاماً، يسكن في مومباي. وقد اكتشفت في آخر زيارة لي هناك أنه لم يقتنِ سيارة طوال عمره، رغم قدرته المالية، ولم يفكر في ذلك كثيراً. وهو يفسر الأمر بأنه يستخدم المواصلات العامة التي تفي بحاجته، من دون أن يضطر لدخول الأزمات المرورية أو البحث عن مكان اصطفاف لسيارته".أورد هذه المداخلة المهمة، لا لما فيها من معلومات مفيدة وحسب، بل لما تنطوي عليه من دلالة على الحاجة الماسة إلى تطوير قطاع النقل في عمّان، كما يراه متخصصون، وليصير كما في مومباي: أفضل من استخدام السيارات الخاصة. والسؤال الآن: هل يتعارض مشروع الباص السريع مع أفكار كهذه حقاً؟أبدأ بتذكّر ما يقوله أمين عمّان، عقل بلتاجي، كلما ذُكرت مسألة تعطّل مشروع الباص السريع عدّة سنوات، كان يمكن للمشروع أن يُنجز فيها، ويكون متاحاً للاستخدام اليوم: "إنه افتقد للترويج السليم". تلك واحدة من المعضلات الأساسية، بل هي المعضلة الأساسية التي قادت إلى تشويه فكرة الباص السريع، وتشويش صورته في أذهان الناس. ولعل ترويجاً سليماً لمشروع الباص، كان كفيلاً بأن يقنع الكافة، متخصصين وغير متخصصين، بنجاعة هذا المشروع، وبكونه عموداً فقرياً لإصلاح كامل منظومة النقل العام في عمّان.يقول الخبر الذي نشرته وسائل الإعلام المختلفة خلال الأيام الماضية، بشكل متزامن: إن "مشروع الباص السريع يُعتبر حجر الأساس لبرنامج شامل يستهدف تحسين خدمات النقل العام في عمّان، وتطوير نموذج ناجح لخدمة نقل عام لائقة". وما دام الباص السريع سيكون بمثابة "حجر الأساس"، فإن منظومة النقل كلها ستخضع للتطوير. إذن، كيف نقف اليوم أمام نقطة يقول فيها متخصصون إن علينا، قبل تنفيذ مشروع الباص السريع، تنظيم فوضى النقل في عمّان؟ وأنه ليس ثمة داعٍ لعطاءات بالملايين سيستلزمها الباص السريع؟!إنها المشكلة نفسها إذن: "الترويج السليم"! وهذا معناه أنه سيكون ضرورياً كسب التأييد لمشروع الباص السريع قبل إطلاقه. ذلك بشأن "متى؟". أما عن "كيف؟"، فأظنها مسألة عسيرة إن لم تتكاتف جهود الحريصين على المدينة فيها!