عوالم سفلية وأخرى مخملية.. الشحرور الابيض ومجد الخبز الحافي/ رائده الشلالفه

عوالم سفلية وأخرى مخملية.. الشحرور الابيض ومجد الخبز الحافي رائده الشلالفه
أخبار البلد -  
رائده الشلالفه 

"الشحرور الأبيض" راوي سلالة "الخبز الحافي" الفتى الامازيغي النزق الذي اراد الحياة وادرك بفطرته ان ثمة عالما شاسع البون من العالمية والشعوبية في انتظار ما تخطه اناملة الرقيقة المعروقة والمعجونة بفكر راق نبيل انبثق من بوتقة الفقر والمجاعة .

محمد شكري (1935 – 2003) نسج بأدبه مدنا امنها تطرفه قبل ان يودعها حريته ،مازجا من عوالمها قطيفة لماس احلامه ، فكانت "طنجته" كما "أمازيغيته" يجمع بينهما درب الابداع ، فكان الانصهار بينهما، ففي الاولى اختط عالمه الذي اراد والأخرى لفظته مطاردا واسرته من جبال الريف المغربي في الشمال منتصف الاربعينيات (الناظور – قرية بني شيكر – تبعد عن الرباط 548 كم ) وهو ابنا للسابعة ، لا يعرف العربية مقابل لغته الريفية الامازيغية انذاك . ويبدأ الطفل بعد ترحاله واسرته القصري في العمل حينها في اعمال متواضعة لم يكن بالامكان توافر غيرها وفقا لطبيعة المرحلة العمرية التي يعيشها ووفقا الى طبيعة المرحلة تاريخيا ، حيث الفقر المنتشر بالانحاء تطوقه رياح التغيير على المحك السياسي وخضوع طنجة حينها لنظام دولي خاص بوصفها احدى مدن الكوسموبوليتانية – الواقعة تحت الحكم الدولي بتقاسم الحمايات الدولية عليها ، ولم تخضع للاستعمار الفرنسي كبقية مدن دول المنطقة كما انها لم تخضع للاستعمار الاسباني كذلك ، مما شكل بيئة خصبة لجذب السياسين والفنانين بشتة الوانهم واشكالهم وكان للمهربين ايضا نصيب الاسد في التوافد عليها والعمل بها - وعمل الطفل في مسح الاحذية وحينا اخر صبي مقهى عرف خلال تلك المرحلة الحياة الليلية بكل ما يكتنفها من ممنوع ، يمارس رذيلة الكبار بعفوية الصغير المتمرد الذي تحركه رياح الثأر لنقمته على أبيه الذي كان يقتصر ظهوره في حياة الفتى انذاك كل اخر شهر ليتسلم ألاجرة المتفق عليها من صاحب المقهى ليذهب في غيه وسكره مشيحا عن اي التزام او مسؤولية تجاه صغيره أو عائلته . ليأوب الصغير اخر نهاره الى المبيت في ركن قصي من المقهى يفترش المقاعد الحديدية بلا غطاء ، وبلا سماء مقفرة كالتي اعتادها في صبيحات ايامه ونهاراته الشقية . حينما اخذت الاسرة قرارها ان تغادر طنجة الى تطوان ، لم يكن قرار الصغير شكري بالطبع ، بل كانت تلك التبعية البغيضة لا الحنونة لأب قاس أودعه - محمد شكري فيما بعد النموذج السادي في اعمال سيرته الادبية ، وان قر شكري في وقت لاحق غفرانه لقسوة ابيه بسبب ان الاخير كان جنديا فارا من العسكرية في الجيش الاسباني ليس له من فضاء سوى الجهل والبطالة - .

وعاد الفتى الامازيغي اليافع بجذب مجهول الى طنجة لتحيك معه المجد ، فعندما انتقل مع اسرته الى تطوان آثر ذلك الفتى الأمازيغي ان يعود اليها ، الى "طنجته" ، فكان ذلك القرار المفصلي والتاريخي في حياته ودون أن يدري ، وليبدأ حياة الكد والشقاء في اعمال متنوعة ابتدأها بعمله كمرشد سياحي للزوار والبحارة الذين يقصدون طنجة ، وكان حينها في العشرين من عمره؛ الوقت ذاته الذي قرر فيه ان يبدأ حياة جديده بعيدا عن فضاءات العناكب والفئران والصراصير التي كانت تشاطره مسكنه .

وبعيدا عن العالم السفلي يذهب الى "مدينة العرائش" ويقبل باحدى مدارسها على الرغم من أميته ليتعلم الكتابة والقراءة ويتقنها رغم الظروف الحياتية الصعبة والقاهرة التي رافقته خلال دراسته ، في محاولة منه لأن يعوض الزمن الآفل الذي خلفه اميا غير متعلما .

وبالتزامن مع زيارته لأمه المريضة في تطوان يقرر الشاب البقاء فيها ويطلب منحة لمتابعة دراسته في مدرسة المعلمين ، ولأن اهتماماته بعيدة عن التقنين والانظباط الفكري لم ينجح بما تطلبه تخرجه من المام تربوي وقانوني فكان رسوبه .

وفي الفراغ القصري الذي وجد به ذاته قام بقضاء وقته في القراءة واخذ ينهل بنهم الجائع الفقير في مطالعة الكتب العربية والاسبانية ليقوم على اثر ذلك بمحاولات كتابية افضت الى كتابته في العام 1966 محاولة أدبية بعنوان " العنف على الشاطئ" نشرت في جريدة ( العمل ) المغربية ، اتبعها في العام التالي محاولة اخرى نشرها في الاداب الصادرة في بيروت وكان له من العمر وقتها (31) عاما .

ومن العوالم السفلية وحاناتها يخرج الى عالم اخر ، ولكن من طراز جديد يرتقي بعض الشيء عن الحانات والمقاهي الشعبية ، ويتابع ابحاره في القراءة والكتابة الى ان يقدر له العودة الى تطوان والعمل في احدى مدارسها ليجد الحال هناك ليس باحسن مما خلفه وراءه من فقر وجوع وبؤس وأمراض.وتبدأ حقبة السبعينيات ليكون محمد شكري ليس الفتى ذاته الذي ملأت جيوب انفه احلام صنعت له رائحة النساء والمدينة وحياة البذخ ، فها هو الان اضحى من مرتادي الفنادق الكبرى ويواصل عالمه في القراءة والكتابة ويكتب عن المرأة والفقر والتشرد والتسكع والجوع ويسترجع ذكرياته الحزينة المسحوقة والشقية المغامرة المشاكسة ، فبدأ نتاجه الادبي بالظهور فكانت مجموعته الاولى "مجنون الورد أو مولع الورد" ليتبعها بالخبز الحافي ، الكتاب الذي ذكر محمد شكري مرارا بأنه سحقه بشهرته ، والذي كتبه في العام 1972 وعمره انذاك 37 عاما ، والتي جاءت بالاصدار الاول للنسخة الانجليزية تحت عنوان "من اجل الخبز وحده" .

وعند دخوله المصح العقلي في مايوركا ـ تطوان يصقل شقاءه بمزيد من شقاء الذين التقاهم هناك من مرضى ، والذين امدوه ايضا بحزن على حزن . لكنه لا يصعق بقسوة الحياة التي جابهوها ووصلوا بها الى المصح .

ويستشعر شكري الغربة والاغتراب بين جدران وأروقة المصح حتى ليخيل اليه انه عاش دهرا هناك ، فهو لم يقرر باي شكل من الاشكال تلك العزلة القصرية أو الطوعية التي قد يفرضها الكتاب على انفسهم ، وكما اشار في احدى رسائله المتبادلة بينه والروائي والناقد المغربي محمد برادة الذي كان احد الاشخاص القلائل الذين رافقوا رحلة شكري منذ نشر سيرته الذاتية ، فقد راوده الاحساس برغبة الكتابة من "المارستان" ويؤكد نيته بتغيير حياته حالما يقدر له الخروج الى العوالم القزحية ثانية . ولتفجر نابغته الادبية " زمن الاخطاء " العقول الادبية على مساحة رقعة العالم قاطبة .

آب شكري الى عوالمه التي اكتشفها والتي اختطها على حد سواء ، هناك حيث اللهو الذي يتحرر من الأنا وحيث التشرد والصعلكة والاجساد النسوية المدمية بفعل ثورة الآخر تجاههن ، وأحلامه العصافيرية تجاه كل ما هو حاقد ودفين في ذوات من ارغموا اشباهه على المضي في درب الخمر والحشيش بل وتقديس الاخطاء حتى الفضيلة ، فمن قيعان العوالم السفلية انتشل شكري شخوصه بماضوية وحاضرية ورؤى مستقبلية تقول بما هو قريب لما اراده الوجوديون قبل ان يصار لشكري ان يلتقي باي منهم او يطالع نهجهم وفكرهم فيما نشروه من كتب وروايات .

استطاع شكري خلال "خبزه الحافي" ان يصنع مدينته الفاضلة مضمنها مشهديات تسجيلية واخرى تخيلية ، كما نجح في اسطرة المنهج الفكري خاصته بتعاطيه لقيمه الذاتية المجتمعية بأن راح يغمس الرذيلة بإدام الفضيلة مقدما ادبا عاريا عصيا على الالتواء او التستر وراء ما هو زائف!وفي العام 1984 تموت والدته وتتبدى له سحب الاغتراب مجددا وتنأى خيوط الاسرة بعيدا عنه في موسم لهجرة متسارعة نحو الجهات الاربع .

ولعله من المفارقة ان نجد كاتب مثل محمد شكري ، قد نجح في نسج عالم من الشعوبية المدارية في قطبي العالم تصب في قناة الانتلجنسيا ليس من النخبة المثقفة فحسب ، بل تعداه الى الجموع القارئة الذين تتفاوت نسب ثقافاتهم واهتماماتهم بالنتاج العربي في المشهد الروائي وحتى الثقافي عامة .

وتكمن المفارقة "الشكرية" لما يتبدى لنا من مشهديات تقول ببؤس نشأة الكاتب وصراعه الدائم الناقم على حضيض وقيعان العيش مستلهما منه في ذات الوقت خطابه الفكري الثقافي والذي جاء مغايرا عما جادت به الخطابات الفكرية للكثير من الكتاب والروائيين في الغرب القريب من طنجة ، متجاوزا شكري بدوره لبديهيات الوقائع المضمحلة لأي من الرفاه الاجتماعي والاقتصادي التي واكبته وعايشها .

واضحى مولد ونشر كتبه مناسبة تحفل بها الاوساط الاعلامية والثقافية ، وكانت الخبز الحافي طريقه الى مجد المشهد الروائي العربي المعاصر .

سيما وان شكري قد انتهك حرمة السائد بما يتعلق بنمطية الكتاب الذين كتبوا سيرهم الذاتية ، فعمد شكري بدوره وربما بدون تخطيط مسبق منه الى ان يضمن سيرة حياته في ثلاثية روائية ، مؤكدا بأن الحياة اليومية لا تعني الشيء الكثير اذا لم يعاد تركيبها من خلال الابداع ، فيما اتفق المتابعون والنقاد على انها بمثابة التأريخ لطنجة وللحياة اليومية في مشهدياتها ووقعها على البشر اكثر مما هي تأريخ لحياة لمحمد شكري .

على انه تجدر الامانة هنا القول ان محمد شكري ارتحل بطنجته مسافرا بها ولها وعليها ، فخرج بها على صفحات ادبه من عالم الواقع الى عالم الحدوتة والاسطورة في ضبابية لا تنقشع ملامح المدينة الا لعاشقها شكري ، عندما تعاطى معها في واقعه المعاش تماما كما واقعه كأحد شخوص رواياته على متن القص ، فأدار دفة طنجة بوقود الحنان والدفء خاصتها وخاصته ،مبرزا اياها تماما كما ابرز هوجو ضواحي باريس في رائعته "احدب نوتردام " حيث "سيمياء المدينة " التي تجلت بوضوح .

وفي سياق متصل ، وفيما تركه محمد شكري من أثر على المشهد الثقافي لا الروائي تحديدا ، كان شكري قد خلف اثرا طيبا على عموم مواطنيه من مستمعيه ، من خلا ل برامج اذاعية كان يقوم بالاعداد لها وبثها في اذاعة طنجة ، واستطاع ان يفاد منها اكثر من جيل ، نجح شكري في اغداق نتاج تجاربه عليهم ، كما نجح في تقديم مقتنيات اطلاعه الوفير على الادب العالمي الاسباني منه تحديدا ، والذي قدم شكري منه نصوصا وترجمات .


ويوم الاثنين 17 كانون الثاني (نوفمبر) 2003، بعد صلاة العصر، بطنجة وفي محفل رهيب،ووري جثمان الراحل محمد شكري الثري، بحضورعدد كبير من الأدباء والشعراء المغاربة وشخصيات من رجال الدولة والسياسة والفن ، بل وشارك القصر الملكي بمرسوم نعى به اديب الدولة في مفارقة مدهشة لا حزينة ، سيما وان الدولة المغربية ما كانت لتقر ابدا بأن محمد شكري ذلك الفتى الامازيقي الذي قادته الاقدار الى طنجه هو بحق اديبها الاول .
مؤلفات محمد شكري:


1- مولع الورد / مجموعته القصصية الاولى
2- الخبز الحافي من منشورات لوسوي 1981 وقد ترجمها إلي الانجليزية بول بولز سنة 1973، وترجمها إلي الفرنسية الطاهر بنجلون سنة 1981 وذلك قبل نشرها وظهورها بلغتها الام العربية . وقد منعت هذه الرواية أو السيرة الذاتية حتي حدود سنة 2000 ، وتضمنت محطات سيرة حياته من العام 1935 الى العام 1965!
3- زمن الأخطاء أو الشطار وهو القسم الثاني من سيرته .
4- وجوه ، وهو يتضمن الجزء الثالث من السيرة الذاتية.
5- الخيمة / مجموعة قصصية
6- السعادة / رواية مسرحية
7- زوكو الصغير
8- جون جيني في طنجة
9- تنيسي وليامز / مذكرات
10 – غواية الشحرور الابيض
11- السوق الداخلي
12- : زوكو ديفليز

 
شريط الأخبار سرايا القدس تفجر حقل عبوات برميلية برتل عسكري للاحتلال... والقسّام تستهدف 3 آليات عسكرية بيان صادر عن شركة السنابل الدولية للاستثمارات الإسلامية (القابضة) حول تعليق التداول وإجراءات مراقبة الشركات واشنطن ستتخلى على إسرائيل إن لم توقف حرب غزة قادة بريطانيا وفرنسا وكندا يتوعدون إسرائيل بإجراءات ضدها وفرض عقوبات فرق مكافحة التسول تضبط متسولاً بحوزته 752 دينار في مدينة إربد هذا هو عدد الخراف المعدة لعيد الأضحى تعرفوا على فعاليات برنامج الاحتفالات بعيد الاستقلال 79 ضبط متسول بحوزته مبلغ مالي ضخم مجلس نقابة شركات الخدمات المالية يعقد اجتماعه الأول لقاء إعلامي حول نظام الفوترة الوطني الإلكتروني والإصلاحات الضريبية الثلاثاء جوبترول تستضيف وزير العمل في زيارة لمركز التدريب والتطوير الصفدي: تجويع 2.3 مليون فلسطيني جريمة يجب على العالم التحرك لوقفها فورا للمرة الثانية... الأردن يتقدم على مؤشر البيانات المفتوحة تجارة الأردن تستضيف منتدى عربيا المانيا واجتماعا للغرفة العربية -الالمانية طلبة يقتحمون مبنى رئاسة جامعة عجلون والادارة تعلق الدوام ..فيديو أمن الدولة تصدر أحكامها على المتهمين بقضية الشهيد العميد الدلابيح وزير العدل: بدائل الحبس في "معدل العقوبات" ستطبق على نزلاء بالسجون العبداللات: جمعية المستثمرين في قطاع الاسكان تطالب الحكومة بتوسيع الحوافز المعتمدة في العقبة لتشمل باقي مناطق المملكة لاسيما عمان اهالي بيت محسير عامة وآل حماد النجار خاصة ينعون المرحومة الشابة المتعبدة ريانا احمد حماد بورصة عمان تغلق تداولاتها لجلسة اليوم الاثنين بنسبة إنخفاض 0.06%