اعترف وزير العمل نضال القطامين، أخيرا، بالتغير الذي لفّ ثقافة العمل في عقل المواطن الأردني، مؤكدا أنه بدأ يتخلى عن ثقافة العيب؛ وهي المشجب الذي طالما لجأ إليه المسؤولون لتبرير ارتفاع معدلات البطالة، وفشلهم في التخفيف منها.إذ إن حل مشكلة البطالة يتبع تشخيصها، ويبدأ من الاعتراف بأن سياسة التوظيف المطبقة والقائمة في القطاع العام أضعفت كثيرا فرص تغيير هيكل سوق العمل.كذلك،شكلت ظروف العمل السيئة في جزء كبير من القطاع الخاص عاملا طاردا للعمالة الأردنية، بدءا من غياب الضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، عدا عن ساعات العمل الطويلة، واستغلال أرباب عمل للعاملين لديهم.التوصل إلى هذه النتيجة ومعالجتها، إضافة إلى إدراك أصحاب الأعمال لتقصيرهم واستغلالهم للعمالة، سيقلص الرفض المجتمعي للعمل في بعض القطاعات.وزارة العمل قامت على مدى أشهر بإعداد استراتيجية تهدف إلى تدريب وتشغيل 18 ألف أردني، يتوزعون على وظائف ومهن في مجالات الألبسة ومحطات المحروقات والسياحة وغيرها.نظريا،المبادرة ممتازة، لكن جعل الطموح واقعا بحاجة إلى عمل مضن. فنجاحالفكرة يسهم في تدريب وتوظيف العدد المعلن، ويخلق ثقافة مجتمعية جديدة للعمل المنتج. لكن السؤال: ما هي العوامل التي يلزم تضافرها لإحداث تغيير جوهري في سوق العمل؟بصراحة، المسؤولية الأكبر تقع على كاهل القطاع الخاص وأصحاب العمل، خصوصا أن توظيف الأردنيين في هذه المجالات يحتاج إلى "طول بال" ونفس طويل، يساعدان على تثبيت العمالة الأردنية في هكذا نوع من الأعمال، لاسيما أن الدراسات تشير إلى أن الأردنيين لا يستمرون في هذه المهن لفترات طويلة.الفكرة ليست مستحيلة بل ممكنة، وقد طبقتها شركة "توتال" الفرنسيةرغم أن إدارتها أجنبية؛ إذ تصل نسبة الأردنيين المشتغلين في الشركة إلى حوالي 98 % من مجمل العاملين، فكيف تحقق ذلك؟ ولماذا لم تفلح شركات إداراتها أردنية في تحقيق الغاية ذاتها؟من الضروري بذل جهود غير عادية لتوطين القوى العاملة في مناطقها الأصلية، بحيث نزرع ثقافة الإنتاج خارج عمان والمدن الكبرى.صحيحأن الأردنيين تجاوزوا ثقافة العيب، لكن القطاع الخاص "المدلل" لم يتجاوز فكرة الاتكالية، والبحث عن الربح السهل والمريح. ومثال ذلك أن تجربتي النجاح اللتين قدمتهما وزارة العمل -خلالإطلاق حملة "كلناشركاء"- لشابين تجاوزا ثقافة العيب، إنما كانتا للشابين مجد الرواشدة من الكرك وعلاء المسلماني من إربد، وقد تركا مكاني سكنهما ورحلا إلى عمان من أجل العمل.فإحداثالتنمية المطلوبة وتوزيع مكتسباتها، لن ينجحا طالما أن الراغبين في العمل يأتون من المحافظات للعمل في عمان. وتجاوز هذه المعضلة يعتمد على أصحاب العمل ممن أعلنوا أنهم سيقيمون مشاغل للإنتاج في مناطق فقيرة، مثل الحسينية وغيرها. والالتزامبما وعدوا ليس أمرا هينا، بل يحتاج إلى عقلية مختلفة، تؤمن بالدور الاجتماعي للقطاع الخاص، وبتحقيق الأمن الاقتصادي، وبالتالي الأمن الشامل.في المقابل، مطلوب من كل الجهات الحكومية المسؤولة تسهيل مهمة أصحاب العمل المبادرين، وإزالة المعيقات التي تعترض عملهم. وعليها أيضا تطبيق القوانين بحرص وصرامة وبدون تهاون، بحيث يلتزم أصحاب الأعمال بتوفير ظروف عمل لائقة إنسانيا.أخيرانطقها أحد المسؤولين، وقال إن المجتمع الأردني بدأ يتخلى عن ثقافة العيب. والاستجابةالرسمية للتغير الحاصل تتطلب توفير البيئة المناسبة، لاستثمارها بشكل صحيح.jumana.ghunaimat@alghad.jo