لا يأخذ الملك عبد الله الثاني بآراء الذين يقولون ان بلدنا تجاوز التحديات التي حملها الربيع العربي وأن هذه التحديات أصبحت خلفنا، ولا يغريه أيضاً أن يكون التأييد له من جزء من شعبه لأنه يدرك أن الغالبية العظمى من شعبه معه وخاصة الأغلبية الصامتة التي بدأت ترسل إشارات ورسائل تعلن فيها التزامها بالنهج الملكي والدفاع عنه.
رغم انه لا يرضيها كثير من الممارسات المسؤولة عن الفساد وتشويه الصورة والسمعة الأردنية والتي تتحمل المسؤولية فيها مراكز قوى ومجموعات من الحرس القديم والقوى التقليدية وفئات المنتفعين التي إنفضت بامتيازاتها ومصالها وركبت الموجة وراحت تسلق البلد وأهله بألسنة غلاظ.
الملك يتبنى الربيع العربي الأردني ويرى فيه خلاصاً وقد كان معه منذ البداية وهو لا يخشاه إلا بالقدر الذي تقوم قوى كارهة بتعطيل مساراته، والملك كما في مقابلة مجلة لونوفيل أوبزر فاتور الفرنسية يتحدث هو نفسه عن الملكية الدستورية ولا يعتبر الحديث عنها خطاً أحمر كما تروج بعض الجهات في وجه جهات أخرى لا تدرك معنى الملكية الدستورية ولا تعرف كيف تدعو اليها او تحافظ عليها، فالملكية الدستورية متحققة في بلدنا بذرتها موجودة وهي تتطور مع تطور النظام السياسي ولا تقفز عليه أو تحرق المراحل للوصول إلى الأهداف المتوخاة.
المقابلة عكست فكر الملك وهو فكر يتطور بايقاع حركة الإصلاح ويستجيب لها وهذه الاستجابات المتصلة والريادية هي التي احتوت موجات النزق والتوتر والتحريض وقطعت الطريق حتى الآن على المتصيدين والعابثين والذين يقولون ما لا يفعلون (كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
كانت الملكية الهاشمية في الأردن وما زالت مظلة وحافظة للهوية الوطنية الجامعة وتركتها تتفتح ولم تصادرها ومنعت عنها العواصف والاقتلاع حين كان مولود الدولة الوطنية ما زال طرياً وحين لم يكن في الاقليم من يسند تجربتنا أو حتى وحدتنا في وحدة الضفتين عام 1950.
التعددية السياسية والاجتماعية الأردنية خصبة ومتفاعلة بإيجابية والذين يسحبون الغطاء أو يزيحون النار على قرصهم من بعض قوى المعارضة والرفض للمشاركة في المسيرة الاصلاحية التراكمية الهادئة انما يريدون تقويض هذه التعددية واقتلاع نبتة تداول السلطة الذي ترعاه الملكية الدستورية وتحاول قوى الهيمنة الحزبية ذات اللون الواحد مصادرته لو تمكنت أن تنفذ إلى الصناديق وحدها وفي ظل ظروف ذات طابع ابتزازي.
إذن الملك هو الضمانة لحماية التعددية وضبط ايقاع التجربة الديموقراطية واذا كانت المعارضة تضغط لمزيد من الاصلاحات وتذهب بعيداً في رؤيتها للملكية الدستورية والمؤسسات الأردنية، فهل عرفت المعارضة نفسها بوضوح؟ وهل أقامت مؤسساتها الواضحة والقادرة على المشاركة وليس امتهان الحرد والرفض والهدم والتعطيل؟
لماذا لا تقوم المعارضة بنشاط عملي واضح وشفاف يأخذ بالبرنامج الوطني ويطوره ويصنع من خلاله حكومة ظل موازية تؤمن بالاصلاح والتحدي والتغيير والتصويب والنقد الوطني الهادئ والهادف كما المعارضات الراقية التي تتفاعل في مظلة الدستور وتحت سقفه.
نحن ذاهبون إلى الانتخابات ونضع في صناديقها آمالاً عراضاً ليس لنا خيار غيرها. وهذا هو مولودنا الذي يجب أن نتعهده ونعتني به ليعيش ويكبر ويتطور فالمولود لا يستطيع من اللحظة الأولى أن يقفز وأن يتكامل وأن يقدم لنا حكومات حزبية ناضجة، لا بد من التطور والنمو والتراكم.
لا بد من خوض التجربة والبناء عليها فالذي استعجلوا في الربيع العربي أو خارجه بدعوى التغيير لم يدركوا هدفاً ولم يحافظوا على وسيلة، انهم في استعجالهم كالمنبت الذي لا ظهراً أبقى ولا مسافة قطع.
نعم يجب أن نتعامل مع صيرورة الاصلاح تعامل الجراح الماهر حتى لا نقع في أخطاء الآخرين ويكفي بما يدور في جوارنا من عبرة واعتباراً فسوريا ما زالت تتحطم وليس لنا معرفة أو ضمانات لما ستؤول إليها أوضاعها وقد يكون الانتظار مفجعاً في نتائجه ولذا لا بد أن نحصن مسيرتنا بالوعي واليقظة والاختبار ولا بد أن ندرك في مسيرة ربيعنا الاصلاحية أن القليل الدائم خير من الكثير المنقطع وأن المؤمن القوي بالاصلاح خير من الضعيف وفي كل الخير وأن ما لا نستطيع أن تنجزه في مرة يمكن إنجازه في مرتين، في المقابلة وعد وتحذير أيضاً!