الحقيقة التي لا يختلف عليها إثنان ولا تقبل الشك ، أن النساء الأردنيات وصلن الى البرلمان وإن كن الأقل تمثيلاً بين النساء على مستوى برلمانات العالم ، وبعيداً عن آدائهن البرلماني الذي لم يكن أقل أهمية عن آداء زملائهن البرلمانيين ، فإنه يعد إنجازاً بحد ذاته في ظل معوقات وتحديات إجتماعية ، قانونية ، إقتصادية ، سياسية وثقافية.
وتشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني "تضامن" الى أن
النساء الأردنيات حصلن على حقهن في الإنتخاب والترشيح عام 1974 ، وبسبب تجميد
الحياة البرلمانية لم تتح لهن فرصة المشاركة الفعلية إلا عام 1984 بالإنتخابات
التكميلية لشغور عدد من المقاعد بسبب الوفاة ، وكانت مشاركتهن كناخبات لعدم ترشح
أي إمرأة في حينه.
لقد كان عام 1989 الذي شهد إنتخابات مجلس النواب الأردني الحادي عشر ،
الإنطلاقة الحقيقية لمشاركة النساء إنتخاباً وترشيحاً ، فيشير التقرير الوطني
"تقدم المرأة الأردنية نحو العدالة والمشاركة والمساواة (2010-2011)"
والصادر عن اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة ، الى ترشح (12) إمرأة من أصل
(647) مرشحاً ومرشحة أي ما نسبته (1.85%) بسبع دوائر من أصل (20) دائرة إنتخابية ،
ولم تفز أي من المرشحات في تلك الإنتخابات علماً بأن بعضهن حصل على مواقع متقدمة
من حيث عدد الأصوات.
وتؤكد "تضامن" على أنه وبالرغم من تراجع عدد المرشحات في
الإنتخابات النيابية لعام 1993 ليصل الى ثلاث مرشحات من أصل (534) مرشحاً ومرشحة
أي ما نسبته (0.56%) ، إلا أن إحداهن قد فازت لتكون المرأة الأردنية الأولى التي
تدخل البرلمان وهي السيدة توجان فيصل ، وشكلت نسبة تمثيل النساء (1.25%) أي مقعد
واحد من أصل 80 مقعداً.
ومنذ عام 1993 حتى عام 1997 أجريت العديد من الندوات وإستطلاعات الرأي حول
تخصيص كوتا للنساء في البرلمان ، وما بين مؤيد ومعارض حسمت نتائج الإنتخابات
البرلمانية لعام 1997 ضرورة تخصيص مقاعد للنساء ، فعلى الرغم من ترشح (17) سيدة من
أصل (561) مرشحاً ومرشحة أي ما نسبته (3.2%) ، إلا أنه لم تفز أي من المرشحات.
وبموجب قانون الإنتخاب رقم (34) لعام 2001 والذي عدل عام
2003 ، تم تخصيص كوتا للنساء بلغت ستة مقاعد من إجمالي 110 مقاعد أي ما نسبته
(5.5%). حيث أجريت إنتخابات مجلس النواب الرابع عشر عام 2003 وترشحت (54) سيدة من
أصل (819) مرشحاً ومرشحة أي ما نسبته (6.6%). ولم تفز النساء بالتنافس وإنما فقط
بالمقاعد المخصصة حيث فازت كل من حياة حسين علي مسيمي ،
فلك سليمان مبارك الجمعاني ، ناريمان زهير احمد الروسان ، انصاف احمد سلامة
الخوالدة ، زكية محمد سليمان الشمايلة ، ادب مبارك صالح السعود.
وتنوه "تضامن" الى أن إنتخابات مجلس النواب
الخامس عشر عام 2007 شكلت نقلة نوعية للنساء الأردنيات من حيث أعداد المرشحات التي
بلغت ما نسبته (22.5%) ، فقد ترشحت (199) سيدة من أصل (885) مرشحاً ومرشحة ، إلا
أنه لم يرافقه زيادة في عدد النساء الفائزات بالتنافس وكان التمثيل
النسائي في المجلس ما نسبته (6.36%)، حيث فازت مرشحة واحدة بالتنافس وهي السيدة فلك الجمعاني فيما فازت بالمقاعد
الستة المخصصة للكوتا النسائية كل من انصاف أحمد سلامة الخوالدة وحمدية نواف
فارس القويدر وريم احمد قاسم عبدالرزاق وثروت سلامه محمد العمرو وناريمان زهير
احمد الروسان وآمنة سليمان عبدالله الغراغير.
وفي
عام 2010 صدر قانون الإنتخاب لمجلس النواب حيث أبقى على الصوت الواحد مع زيادة عدد
مقاعد البرلمان من (110) الى (120) مقعداً وزيادة المقاعد المخصصة للكوتا من ستة
مقاعد الى 12 مقعداً ، وعليه أجريت إنتخابات مجلس النواب السادس عشر لعام 2010 حيث
ترشحت (134) سيدة من أصل (763) مرشحاً ومرشحة بنسبة وصلت الى (17.6%) ، ولم تتمكن
سوى مرشحة واحدة من الفوز بالتنافس وهي السيدة ريم بدران ، في حين فازت (12) مرشحة
بالمقاعد المخصصة للكوتا النسائية وهن وفاء بني مصطفى
وهدى أبو رمان وأسماء الرواضية وميسر السردية وناريمان الروسان وسلمى الربضي
وردينة العطي وسامية العليمات وخلود المراحلة وعبلة أبو عبلة وأمل الرفوع وتمام
الرياطي ، حيث شكلت النساء (10.83%) من مجمل أعضاء مجلس النواب.
وتشير "تضامن" الى زيادة عدد المقاعد المخصصة للكوتا النسائية من (12) الى
(15) مقعداً بموجب قانون الإنتخاب لمجلس النواب رقم (25) لعام 2012 والقانون
المعدل له رقم (28) لعام 2012 ، كما تم إستحداث (27) مقعداً للقوائم الوطنية و(108)
للدوائر المحلية ليصبح العدد الإجمالي لمقاعد مجلس النواب (150) مقعداً.
وإذ نحن على موعد مع إنتخابات مجلس النواب السابع عشر التي
ستجرى بتاريخ 23/1/2013 فلا بد من الإشارة الى أن عدد المتقدمين بطلبات ترشح
للهيئة المستقلة للانتخاب بلغ (1528) مرشحاً ومرشحة، من بينهم (208) لسيدات على
مدار الايام الثلاثة المحددة لتقديم طلبات الترشح ، حيث وصل عدد طلبات الترشح
للدوائر المحلية (698) طلباً، منها (121) للنساء ، ووصل عدد القوائم في الدائرة العامة الى (61) قائمة
تضمنت (829) مرشحاً من بينهم (88) مرشحة ، إلا أن هذه الأرقام تبقى غير نهائية في
ظل إنسحابات متواصلة لكل من المرشحين والمرشحات.
وتضيف "تضامن" الى أنه وعلى الرغم من
زيادة عدد المقاعد المخصصة للكوتا النسائية إلا أن ذلك ترافق مع زيادة في عدد
المقاعد البرلمانية مما أبقى على تمثيلهن بذات النسبة وهي (10%) دون تغيير ما بين
قانوني الإنتخاب لعام 2010 (12 مقعداً للكوتا من أصل 120) وعام 2012 (15 مقعداً
للكوتا من أصل 150) ، دون الإلتفات لمطالبات الهيئات النسائية برفع النسبة الى
20-30%.
وتشدد "تضامن" على ضرورة الخروج من
دائرة الإعتقاد السائد بأن النساء البرلمانيات يعملن فقط في إطار ضيق لا يتجاوز
حدود الأسرة والطفل والشؤون الإجتماعية والتشريعات ذات العلاقة بحقوق النساء ، وتؤكد
على الآداء المهني العالي والمشاركة الفاعلة للنساء في مجلس النواب الأردني السادس
عشر والذي تمثل في دورهن الرقابي والتشريعي بمختلف المجالات السياسية والإقتصادية
والإجتماعية والثقافية ، فقد شاركن الى جانب زملائهن الرجال في توجيه الأسئلة
النيابية والإستجوابات والإقتراحات برغبة والمناقشات العامة وتقديم المذكرات
والعرائض وحجب و/أو إعطاء الثقة ، كما كان لهن دور في إقتراح القوانين كإقتراح
تعديل نصوص في قانون المالكين والمستأجرين أو سن قانون الواجهات العشائرية
وإستغلال الأراضي الأميرية أو سن قانون الكسب غير المشروع (من أين لك هذا؟) أو
إعادة النظر بدمج البلديات الى غير ذلك.
وتؤكد "تضامن" على إمتلاك النساء
الأردنيات لمقومات وأدوات النجاح والإندماج في الحياة السياسية ، فهن يشكلن مع
يقارب 52% من أعداد الناخبين المسجلين ، ولديهن القدرة والكفاءة للمنافسة على
المقاعد البرلمانية فوصلت نسبة ترشحهن الى 17.3% من العدد الإجمالي للمرشحين في
الدوائر الفرعية ، مع وجود إرادة سياسية وقناعة تامة بضرورة تمكين النساء وإدماجهن
في التنمية المستدامة وإشراكهن في صناعة المستقبل.
وتشير "تضامن" الى أهمية عدم إغفال
أصوات الناخبين الرجال في دعم النساء المرشحات ، والى عدم إرتباط أصوات النساء
بالمرشحات دون المرشحين ، لأن الوصول الى قبة البرلمان سواء أكان مرشحاً أم مرشحة
هو للأقدر على خدمة المجتمع بالخبرة والكفاءة والعلم والمعرفة دون تمييز أو تحيز
أو تهميش.
وإذا كان الأصل أن أصوات الناخبات حرة طليقة يمكنهن
إعطائها لمن يرغبن من المرشحين أو المرشحات أصحاب وصاحبات البرامج الإنتخابية
المقنعة ، إلا أن هذه الحرية تغدو مقيدة في أغلب الحالات إبتداءاً من المنزل
والعائلة الصغيرة ، مروراً بالعائلة الكبيرة والعشيرة ، وإنتهاءاً بالتجاذبات
والتغييرات التي تطرأ قبيل الموعد الإنتخابي. فالبناء الإجتماعي في الأردن لا زال
تحت وطأة السلطة الأبوية والنظرة الدونية للنساء ، والكثير من التقاليد والعادات
التي ترسم الصورة النمطية للنساء تحرمهن من أبسط حقوقهن أو التمتع بهذه الحقوق
بالطريقة التي يرونها مناسبة.
وتنوه "تضامن" الى أنه وفي ظل النظام
الأبوي المشار اليه ، لا يعترف بأصوات النساء كناخبات إلا في سبيل ضمان وصول
الرجال الى قبة البرلمان ، وإن كان هذا الإعتراف يشكل ضمنياً إعتراف بأهمية
أصواتهن في نجاح العملية الإنتخابية ، غير أنه يخدم الرجال دون النساء على أساس من
التمييز الواضح والسيطرة غير المقبولة وسلب الإرادة والحرمان من الإختيار بحرية. وفي
إعلان نشر بإحدى الصحف المحلية دعت إحدى العشائر الأردنية الى المشاركة في
الإنتخابات الداخلية للعشيرة لإقرار مرشح يمثلها في الإنتخابات النيابية المقبلة
إنسجاماً مع مبدأ الديمقراطية وأشارت الى أن الإقتراع للذكور فقط. وإذا
كانت العشيرة قد حرمت النساء من المشاركة في إختيار مرشحها في إنتخابات داخلية ،
هل ستستمر في حرمانهن يوم الإنتخاب؟ أم أنه سيسمح لهن بالإنتخاب ما دام ذلك سيخدم
ويصب في مصلحة مرشحها الرجل؟.
وتضيف "تضامن" الى أن الكثير من
الراغبات بالترشح يلاقين الدعم المعنوي والمادي من أسرهن وعائلاتهن وهو ما يعبر عن
إحترام لحقوقهن وإعتراف بأدوارهن الإيجابية وقدراتهن في الوصول الى مواقع صنع القرار
والمشاركة في خدمة مجتمعاتهن ، والبعض الآخر منهن يعانين من ضغوط لكي يتراجعن عن
قرارهن ، وفي حال إصرارهن على الترشح يبدأن رحلة طويلة من المعاناة تبدأ بضغوط
نفسية ومادية داخل أسرهن وعائلاتهن تضاف الى ما يعانين منه خلال حملاتهن
الإنتخابية.
وفي الوقت الذي تصرف فيه ملايين الدنانير على الحملات
الإنتخابية ، نجد حملات المرشحات ضعيفة مادياً ، وتربط "تضامن"هذا الضعف بعدم التمكين الإقتصادي للنساء بشكل عام ، وحرمان الكثير منهن من العمل
وممارسة الأنشطة التجارية والتملك ، والحرمان من الميراث والقيام بأعمال غير مدفوعة
الأجر داخل إطار العائلة وفي الأعمال الزراعية ، إضافة الى تخلي عائلات الكثير من
المرشحات عن دعمهن مادياً. ومع ذلك فكثير من المرشحين في إنتخابات نيابية سابقة
ممن صرفوا أموالاً طائلة على حملاتهم الإنتخابية لم يتمكنوا من الفوز على مرشحات
لا يملكن ولم يصرفن أموالاً تذكر.
وتؤكد "تضامن" على أهمية البرامج
الإنتخابية للمرشحات كوسيلة إقناع للناخبين والناخبات ، فالبرامج القابلة للتنفيذ
والأقرب للواقعية وإن كانت في متناول أغلب المرشحين والمرشحات إلا أنها تتميز
بالمصداقية من تلك البرامج التي تطلق العنان لأحلام صعبة أو مستحيلة التطبيق.
وتجدر الإشارة الى دور اللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة والإئتلاف الوطني
لدعم المرأة في الإنتخابات في تدريب المرشحات على كيفية صياغة وكتابة البرامج
الإنتخابية وإدارة الحملات والحوارات وجلسات النقاش وإجراء المقابلات الإذاعية
والتلفزيونية.
وإذا كان نجاح النساء في الوصول الى البرلمان مرتبط
بالوعي العام للناخبين والناخبات بضرورة وأهمية تمكين النساء ومشاركتهن الفعلية في
الحياة السياسية ، إلا أن للشباب والشابات الدور الأهم في تغيير إتجاهات المجتمع
الأردني نحو مشاركتهن.
وتشير "تضامن" الى أن تعزيز مشاركة
النساء السياسية ودخولها السلطة التشريعية سيساهم في تشكيل معالم مستقبلهن ومستقبل
عائلاتهن ويسد الثغرات القانونية المجحفة بحقهن ويعزز فرص إلغاء التمييز ضدهن
ويوسع من الحماية القانونية لهن ، وإشراكهن في إقرار السياسات والبرامج الوطنية لضمان
مراعاتها للنوع الإجتماعي سيحد من التمييز والعنف ضدهن. إضافة الى أن خبرات النساء
في كافة المجالات ستساهم في دفع عجلة التنمية الى الأمام لينعم المجتمع رجالاً
ونساءاً بمستقبل أفضل تسوده المساواة وعدم التمييز.