لا تكفي القراءة السياسية وحدها لشعارات مرشحي الانتخابات سواء كانت برلمانية او في اي مجال اخر، اذ لا بد ان تتضافر عدة قراءات معا للكشف عن واقع ضاغط يدفع الناس الى الافراط في الحلم مثلما يدفع من يريدون تمثيلهم الى المبالغة في الوعود.
انها قراءات سايكولوجية وسوسيولوجية اضافة الى الانثربولوجية ومعذرة لتعاقب هذه المصطلحات فهي العلوم التي تنظر تعريبا بدءا من المحتوى، وحين يبالغ الساسة او الطامحون الى تمثيل الناس في الانتخابات بالوعود فان معنى ذلك ان الواقع مليء بالثغرات، والاحتقان ايضا، والمصاعب تتطلب ما يشبه اجتراح المعجزات لحلها ووضع حد لها، وحين يتواضع المرشحون في اي مجال انتخابي في شعاراتهم يكونون اقرب الى التصديق، وابعد عن الوقوع في التناقض وبالتالي تحول الوعود الى عرقوبية تطعن في المصداقية حتى في المرات القادمة.
وحين تقرأ اليافطات والشعارات التي تطرزها بجانب الصور التي اختيرت بعناية نعثر فورا على الفارق بين التواضع والافراط وبين القدرة على اطلاق الوعود والقدرة على ترجمتها الى واقع سياسي ويومي.
وقد لاحظت ان بعض الشعارات يعجز عن تحقيقها فريق من الساسة والعلماء وذوي الاختصاص، وهي تدفع من يقرأها الى الاستخفاف بها لان الناس لدغوا مرارا من الجحور ذاتها، وتلقحوا ضد المبالغة في الشعارات، خصوصا تلك التي يختصرها المصريون بمثل شعبي طريف هو صناعة الشربات او الحلوى من الفسيخ بالطبع ما من مرشح في العالم لرئاسة او برلمان او نقابة يملك عصا موسى وكل ما لديه هو النية في التغيير ان توفرت بالفعل، وبالتالي التناغم مع الذات والابتعاد عن الخداع الموسمي للناس الذين يصدق عليهم ما قاله المتنبي عن وقع النصال على النصال.
ان الشعارات سواء كانت في حراك شعبي عفوي او انتخابات هي مادة خام بالغة الاهمية والجاذبية للمشتغلين في علوم النفس والاجتماع والانثربولوجيا السياسية لانها تخترل كثافة من انماط التفكير وتعري العقل السياسي اضافة الى كشف المستور اجتماعيا واقتصاديا.
فكلما كان الشعب اشد فقرا اوغلت الشعارات في وعود الطعام والشراب والكاز والوظيفة، بحيث يأتي الرغيف اولا في ثالوث الفقر والجهل والمرض اما كلمة حرية فلا ندري ما هو المقصود بها في مجتمعات هي ذاتها التي تهرب من سؤال الحرية وتختنق باعباء المسؤولية، خصوصا في مجتمعات باترياركية او ابوية تتأسس على تربويات الوصاية وتحريم سن الرشد السياسي .
ان بمقدور اي كائن سواء كان مرشحا لانتخابات او حالما بقيادة ثلاثة افراد فقط ان يقول ما يشاء. وان يصنع ايضا من البحر طحينة ومن قماش اليافطات خبزا ودفاتر واقساطا لتلاميذ المدارس. لكن الامر لا ينتهي عند هذا الحدّ. لان هناك اختبارا ميدانيا عسيرا يرسب فيه من لم يعرف قدر نفسه وحاول السباحة في شبر ماء.
انها ثقافة موروثة، وما من سبيل لتغييرها بالماكياج او بلاغة الوعود!