كما هي العادة، يكفي أن يلقي أي شخص حجرا في أي مياه، ليثور الجدل حول العلاقة الأردنية-الفلسطينية، ولتدور الأحاديث عن أخبار وصفقات ومؤامرات لتصفية القضية الفلسطينية، ربما على حساب الأردن.هذا ما حدث بعد نشر صحيفة "القدس العربي"، قبل أيام، خبرا عن اجتماع للرئيس الفلسطيني محمود عباس، بحث فيه مع مجموعة من مساعديه موضوع الكونفدرالية مع الأردن. و"القدس العربي" هي عينُها التي نشرت قبل أقل من شهرين تصريحات للقيادي السابق في حركة "فتح" ومنظمة التحرير الفلسطينية فاروق القدومي، عن الشأن نفسه، رغم أنّه غائب عن الساحة منذ أمد، ولا تُجرى معه مقابلات. والصحيفة ذاتها أكثر من يكتب في الموضوع، أي أكثر من يلقي الحجارة في مياه الموضوع.على الأرض، موضوع الكونفدرالية مستبعد جدا. وفي الوقت ذاته، العلاقة بين "البلدين" حاليا تكاد تتجاوز الكونفدرالية إلى ملامح فدرالية.بما أنّ الموضوع قديم يتم تجديده، فلا غنى عن إعادة تعريف الكونفدرالية، والقول إنّها نوع من الاتفاق على تنسيق العلاقات بطريقة ذات بعد مؤسساتي ومنتظم بين دولتين، لكل منهما شخصيتها القانونية، واستقلاليتها الإدارية، وحدودها، وسلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية. أما الفدرالية على غرار الولايات المتحدة الأميركية، والإمارات العربية المتحدة، وإلى حد أقل بريطانيا (المملكة المتحدة) وغيرها، فهي التي تتضمن إزالة الحدود، مع بقاء مظاهر استقلال إداري وأمني نسبيين، واندماج الشخصية القانونية الدولية (خارجيا) كليا أو جزئيا.تنطوي العلاقة الأردنية-الفلسطينية على أرض الواقع، ونتيجة لإرث وحدة الضفتين والجغرافيا التي تجعل الأردن الرئة الوحيدة للضفة الغربية، على الشيء غير القليل من معالم الفيدرالية، مثل جواز السفر الذي يُمنح للفلسطينيين من أبناء الضفة الغربية، والذي يُستخدم لأغراض السفر وليس وثيقة جنسية أو مواطنة، رغم وجود جواز سفر فلسطيني معترف به دوليا. وهناك دور الأردن في القدس والأوقاف الإسلامية، وغير ذلك.حتى تصبح هناك كونفدرالية، لا بد من دولة فلسطينية مستقلة.يصعب أن يعارض مواطنو أي دولة عربية من حيث المبدأ فكرة الوحدة مع أي دولة في المدى البعيد، وقد يحدث الخلاف على التفاصيل.ما يخيف حقا، فلسطينيا وأردنيا، أن يجري حديث عن حل فدرالي. أما الكونفدرالية، فلا معنى لها إلا بعد انتهاء الاحتلال، إلا إذا أعيد تعريف الكونفدرالية.ما يخيف في الفدرالية هو أنها في عقول بعض الإسرائيليين تعني إعادة المسؤولية الإدارية على مناطق فلسطينية للأردن، مع بقاء الاحتلال بشكل أو آخر في الضفة الغربية أو أجزاء استراتيجية فيها. وهذا ما لا يوجد أي مؤشرات على أن أحدا في الأردن أو فلسطين يقبل به؛ فهو لا يحل مشكلة الاحتلال، وبالتالي لا يوجد ما يدعو أحدا لقبوله، ولا يوجد سبب أو مكسب منه.بهذا المعنى، يبدو حديث الكونفدرالية وصفة للمستقبل. وحتى حين طرحها مستقبلا، فإنها قد تعني أمرين في اتجاهين مختلفين. فقد تعني تقليصا في علاقة قائمة على المستوى الداخلي الشعبي مقابل تنسيق خارجي، أي قد تعني حينها عمليا تقنين فك الارتباط ومعالجته دستوريا، وتنظيم الإجراءات المختلفة بخصوص الجنسيات، والقدس، وغيرها، مع تنسيق العلاقات الخارجية، وهو الأمر الذي تتسم به الكونفدراليات عادة. والأمر الثاني أن تكون مرحلة مؤقتة ومعبرا للفدرالية؛ إذ إنّ الكونفدرالية في الغالب، ومن الناحية النظرية، نوع من الاستعداد والتمرين على الفدرالية التي تتيح تكوين دولة واحدة لكن دون ذوبان كلي للهويات الفرعية، أو بعض مظاهر الاستقلال. ولكن هذا بعد أن تكون الدولتان مستقلتين.لا شك أن من سمات الدبلوماسية الأردنية في الموضوع الفلسطيني أنّه لا يمكن ترك مجريات أي حل تجري بدون متابعة، وذلك لأسباب منطقية، أهمها أن أي حل سيؤثر في الأردن، هذا فضلا عن أهمية الدور الإقليمي الأردني في هذه العملية. وبالتالي، فإن التفكير في سيناريوهات المستقبل بعد أي مرحلة فيها محطة ما، مثل محطة التصويت على العضوية المراقبة لفلسطين في الأمم المتحدة، أمر متوقع. ولكن حتى إن أصبح التفكير بصوت مرتفع، فليس شرطا أنّه يعني شيئا عمليّا.ahmad.azem@alghad.jo