في الفراغ السياسي والبطالة الفكرية التي سادت العالم العربي ومنه مصر خلال عقود عجاف كان لا بد لثقافة كرة القدم ومعاركها وما يسمى الالتراس في ادبياتها ان تتمدد لملء الفراغ، فالتاريخ كما الطبيعة لا يطيق مثل هذا الفراغ، وما نراه على الفضائيات من سجال ومراوحة واعادة انتاج لخطابات فقدت صلاحيتها يذكرنا على الفور بمباريات كرة القدم وبالنوادي التي اوشكت ان تتحول الى طوائف او مذاهب.
وحين يقتل اكثر من سبعين انسانا في ملعب لكرة القدم كما حدث في بور سعيد يعني ذلك ان الرياضة لم تعد رياضة وانها اسم مستعار لشيء اخر او ظاهرة اخرى سواء كانت سياسية او اجتماعية. ومن فرض عليهم لزمن طويل ان يجدوا الحلّ الوسط في المزج بين لا ونعم من خلال كلمة «لعم» يصفون الان حسابات ومديونيات مع تلك العهود. لهذا يتشبث اهل اللاءات برفضهم مثلما يتشبث اهل الموالاة بموقفهم. فيبدو المشهد اقرب الى مستقيمات متوازية في الشوارع والميادين.
ان مصر التي تعاني من جملة ازمات متزامنة ومزمنة ليست كرة قدم قطرها يمتد من الحدود الى الحدود، والدساتير ايضا ليست كرات قدم او سلة لكن الثقافة الكروية التي فاضت لتشمل كل شيء حوّلت ما هو جدي ومصيري الى مجرد مباراة. سواء كانت بذخيرة الهجاء المتبادل او بالخرطوش والغاز والحجارة.
فالشعب المصري الذي يصفه ابناؤه بانه «حمول» اي صبور حتى الافنجار ليس مونت كريستو الذي حفر عدة اعوام في جدار زنزانته ليجد نفسه في زنزانة اضيق واشد صقيعا وظلاما. وحين يتحول الحلم الى كابوس لا بد ان تختلط الاوراق والاجندات، وبالتالي يتحول السجال الى تلاسن سياسي بالايدي لانه بين طرشان.
وحين يقف رجل تجاوز السبعين ليقول للملأ، ان الديمقراطية صنم او دين وثني وان من يبشرون بها هم من خارج الملّة فإن الحكاية تصبح شيئا اخر غير كل ما يقال. ما دام المخفيّ هو الاعظم والمسكوت عنه قارّة لا سبيل الى قطعها برا او بحرا او جوا الا بطاقية اخفاء.
ومن الدستور رغم كل اشكالياته واستحقاقه للسجال الساخن لانه يخص شعبا برمته ليس سوى مناسبة للتعبير عن المؤجل والمكبوت، وعن خلاف جذري هو ثقافي في جوهره، ما دام هناك شرائح تحلم بالتمدين والتحديث ومواكبة العصر مقابل اخرى مضادة لكل هذه الشعارات.
لقد سخر احد الفنانين المصريين في ستينيات القرن الماضي من تحويل اندية رياضية كالاهلي والزمالك الى قبائل او طوائف، وقال انه زمهلاوي، فهل تقبل هذه الطرفة الرياضية تاويلا سياسيا اليوم بحيث ينتصر المصريون لمصر اولا؟ خصوصا وهم يدركون بان اللحظة حرجة، وان ما تمر به البلاد تنوء بحملة سلاسل جبال.
كم تمنينا لو ان هؤلاء جميعا ورغم الاختلاف في وجهات النظر يكونون فريقا مضادا لثالوث الفقر والامية والمرض!
التاريخ : 16-12-2012