سواء في عدوانها الشامل على لبنان عامي 1982 و2006 أو في عدوانها على غزة عام 2008 جربت اسرائيل الحملات العسكرية براً وبحراً وجواً ولم تحقق أهدافها، بل خسرت كثيراً على صعيد الرأي العام ولم تفلح كل وسائلها في تجميل صورتها القبيحة، بعد عدة جولات مكوكية في القارات الخمس. لهذا تعود الآن الى ما سمي في معجم عدوانها اضرب واهرب، وهذه النصيحة تقدم للجنرالات من ايتان هابر في مقالة نشرت قبل أيام في «يديعوت احرونوت»، وبالطبع لم تكن هذه المقالة قد نشرت قبل العدوان الأخير على غزة كي يقال بأن اسرائيل قررت الاستفادة من مواعظها، فما حال دون استكمال العدوان براً على غزة ليس فقط نظرية اضرب واهرب جواً، بل ما شعر به الثالوث نتنياهو وباراك وليبرمان، اضافة الى رابعهم بيريز من شجب دولي واستنكار شعبي عمّ عواصم العالم.. اضافة الى ان غزة لن تقف مكتوفة الذراعين خصوصاً بعد أن وصلت صواريخها الى ضواحي تل أبيب وحيفا وجنوب القدس.
ان العدوان بالجملة لا يحقق الأهداف منه، لكن سياسة العدوان بالتقسيط هي الأجدى كما جاء في مقالة ايتان هابر وكما يقول الواقع ذاته.. ففي عدوان التقسيط يسقط عشرات الشهداء ومنهم أطفال وشيوخ, وقد يصل الرقم الى مئة وخمسين شهيداً.. أما في عدوان الجملة فقد يصل الرقم الى الآلاف، وما نخشاه رغم انجاز الهدنة التي لن تكون طويلة الأمد ان اسرائيل قد قررت بالفعل أن تعود الى استراتيجية الضرب والفرار وسلاحها في ذلك الطيران الذي طالما كان سبباً في اختلال موازين القوة حتى في الحروب العربية – الاسرائيلية.
عدوان التقسيط يثير ردود أفعال محدودة وموضعية، ولا يقترن بأرقام من الخسائر البشرية والمادية تبدو كبيرة خصوصاً في عالم لم يعد لديه حاسوب أخلاقي لإحصاء الضحايا بعد أن سجل مئات الآلاف في البوسنة وما يتخطى المليون في رواندا.
ان العدوان خصوصاً بالتعريف العبري يجب أن يعاد النظر فيه، لأن افراط اسرائيل في استخدام القوة وارهاب الدولة جعلنا نتصور ان الحد الأدنى للعدوان يجب أن يكون ألف شهيد وبضعة آلاف من الجرحى، اضافة الى خسائر بالمليارات يتسبب بها قصف البنية التحتية.
والعدوان بالتقسيط ليس جديداً أو اختراعاً من ايتان هابر الذي نشر مقالة تفاضل بين العدوان الشامل والعدوان المتقطع، فقد مارست اسرائيل طيلة ستة عقود، ولم يكن العدوان قبل عام 1967 على قلقيلية أو السموع وسائر القرى الحدودية الا نمطا من هذا العدوان.
وأحياناً كما حدث في غزة تباد عائلة بكل أفرادها وتقصف بنايات تضم مراكز اعلامية كي لا يكون هناك شهود فتكتمل الجريمة، ثم يضاف هذا كله في العدوان غير الشامل وغير البري وكأن العدوان لكي يكون شاملاً يجب أن يبيد نصف الشعب، ويحول ثلاثة أرباع القطاع الى أطلال.
وأبسط العمليات الحسابية هو أن حاصل جمع عدة امتدادات محدودة وموضعية هو عدوان شامل سواء كان برياً أو برمائياً أو جوياً.
ما ينبغي التحذير منه هو التأقلم العربي مع العدوان بالتقسيط، والعودة الى سياسة الضرب والهرب، حيث لا يحتاج الأمر الى هدنة أو حتى تهدئة.