اخبار البلد - بقلم فهد الخيطان
إنها فضيحة بكل معنى الكلمة، لم يكن المرء يتخيل حدوثها في زمن تموج فيه البلاد بحركات الإصلاح ودعوات إرساء دولة القانون والعدالة. فبينما كان المسؤولون الحكوميون يطلقون الوعود بعهد جديد عنوانه الشفافية والمساءلة والرقابة على المال العام، كان ذات المسؤولين، ومعهم النواب، يخرقون أبسط القواعد القانونية والأخلاقية، فيما بات يعرف بـ'ملف تعيينات أمانة عمان الكبرى' الذي أحالته هيئة مكافحة الفساد، أول من أمس، إلى المدعي العام 'على خلفية ارتكاب أفعال فساد يعاقب عليها القانون'. كل أشكال مخالفة القانون تجدها في التعيينات التي ناهزت أربعة آلاف وظيفة في العامين 2011 و2012؛ عمال نظافة يحملون شهادات ماجستير وبكالوريوس لا يمارسون الأعمال التي عينوا عليها؛ لا بل إن العديد منهم غير موجودين في الميدان، وليسوا على رأس عملهم. و187 من المعينين من منطقة جغرافية واحدة، منهم 52 من عائلة واحدة. وقرارات تعيين مدون عليها أسماء النواب الذين تم التعيين لصالحهم. وحسب بيان 'مكافحة الفساد'، خالفت التعيينات الأسس المعتمدة والتشريعات التي تحدد شروط الاستخدام لهذه الفئة من العمال 'ما أدى إلى وجود فائض وتكدس في أعداد الموظفين، وزيادة في العبء المالي على أمانة عمان التي تعاني عجزا في موازنتها' وفق قول الهيئة.
والأخطر من ذلك ما كشفته التحقيقات عن ممارسة نواب أعمال التهديد باغتيال الشخصية والابتزاز على بعض المديرين العاملين في الأمانة، لإجبارهم على تعيين أشخاص تابعين لدوائرهم الانتخابية.
الوجبة الأكبر من التعيينات، كما تبين منذ أشهر مضت، تمت بتوافق حكومي نيابي، وأجبرت إدارة الأمانة المؤقتة على تنفيذها. وبموجب هذا التوافق حصل معظم النواب على عدد محدود من الوظائف، فيما نال عدد قليل منهم حصة الأسد من التعيينات.
أمانة عمان الغارقة في العجز والمديونية، واقترضت بالأمس القريب 60 مليون دينار من بنك الإسكان، تبدد أموال دافعي الضرائب على المحسوبية والواسطة وشراء الولاء. فاللعبة صارت مكشوفة منذ زمن؛ الحكومة، ولكي ترضي النواب وتكسب دعمهم لسياساتها وتشريعاتها، تلجأ إلى رشوتهم بالوظائف والامتيازات على حساب المال العام. أمانة عمان كانت على الدوام مرتعا لأسوأ أشكال الاستغلال من جانب الحكومات والمجالس النيابية. واللافت في الأمر دائما أن تجاوزات من هذا القبيل على المال العام لا ترصدها أجهزة الدولة، وتتم بكل سلاسة، لولا وسائل الإعلام التي تتصدى لكشفها. ما يؤكد الانطباع السائد بأن كل الأطراف متواطئة في تجاوز القانون، وتوفر له الرعاية اللازمة.
ملف واحد كالذي نحن بصدده كاف لتبديد ما تبقى من ثقة شعبية بجدية الإصلاح في الأردن؛ فمن يعاين هذه التجاوزات التي وقعت في زمن الربيع الأردني، لا يمكنه أن يأخذ على محمل الجد كلام المسؤولين عن العدالة والفرص المتساوية بين المواطنين. كيف للناخب أن يصدق دعوات المسؤولين بضرورة اختيار مرشحه في الانتخابات بناء على برنامجه ومواقفه من القضايا الوطنية والعامة، بينما الحكومات تدعم نواب الخدمات وتمنحهم شرعية وقوة اجتماعية، وتساندهم بالمال والوظائف، لكسب ولاء الأقارب وأبناء العشيرة؟!
آلاف التعيينات التي تمت في أمانة عمان ستترجم إلى أصوات في صناديق الاقتراع بعد أشهر؛ ألا يعد ذلك تدخلا استباقيا في الانتخابات؟!
رئيس لجنة أمانة عمان ليس وحده المسؤول عن تلك التجاوزات؛ فقراراته تحتاج إلى موافقة مجلس الوزراء. ولذلك، ينبغي تحويل رؤساء الحكومات التي مررت التعيينات إلى المدعي العام، ومعهم النواب الذين قبلوا مخالفة القانون، وأولئك الذين مارسوا التهديد والابتزاز بحق موظفي أمانة عمان.