اخبار البلد : الجزيرة - قال المراقب العام السابق للإخوان المسلمين بالأردن سالم الفلاحات إن الحراك الشعبي المطالب بالإصلاح في الأردن، مستمر إلى حين تحقيق أهدافه. وفي حوار مع الجزيرة نت أكد الفلاحات مقاطعة الحركة الإسلامية للانتخابات النيابية القادمة، وهدد بالتصعيد إذا لم يقم النظام بإصلاحات حقيقية.
أين الأردن من الربيع العربي؟
- الربيع العربي انتقل بالفعل إلى الأردن منذ بدايته مطلع العام 2011، لكن الشعار الذي رفعته الحركة الإسلامية والحركات الشعبية هو "الشعب يريد إصلاح النظام"، فالنظام في الأردن ملكي وهناك اعتبارات كثيرة لذلك.
ماذا تعنون بإصلاح النظام؟
- نعني أن يكون للملك صلاحيات محدودة مقابل صلاحيات واسعة للشعب، وتطبق المادة الدستورية التي تقول إن الشعب مصدر السلطات، وأن يحدث فصل حقيقي بين السلطات، وأن تكف الأجهزة الأمنية يدها عن الشعب، وأن تنشأ محكمة دستورية، وأن تكون الحكومة منتخبة بمعنى أن تكون منبثقة عن الأغلبية بمجلس النواب، وهذا يخفف من وطأة الخلاف مع قطاعات كبيرة من الأردنيين، كما أنه لا يختلف كثيرا عما طالبت به شعوب الربيع العربي.
نظمتم مظاهرات ومسيرات حاشدة كان آخرها قبل نحو عشرة أيام، ما هي أبرز مطالبكم فيها؟
- حقيقة منذ مارس/آذار من العام الماضي استمرت الفعاليات -ومنها المسيرات والاعتصامات والمهرجانات- في جميع المدن الأردنية خاصة في العاصمة عمان، لكن بعد مرور ما يقرب من عشرين شهرا على انطلاق مطالب الإصلاح بالأردن ووعود النظام بتلبيتها، وبالرغم من أنه أجرى بعض التعديلات الدستورية والقانونية وأنشأ نقابة للمعلمين وألغى قانون الاجتماعات العامة، وشكل هيئة مستقلة مشرفة على الانتخابات وشكل محكمة دستورية، فإن كل هذا لم يصل إلى الحد الأدنى الذي يريده الشعب الأردني.
كما أن الحكومة بدأت مؤخرا في سن قانون انتخابي يُسمى قانون الصوت الواحد، وهو القانون الذي كان مُطبقا منذ عشرين عاما ورفضه الأردنيون منذ ذلك التاريخ، وكان هناك وعد بتغييره، بمعنى أن تقسم المقاعد النيابية إلى قسمين: نصفها للقائمة الوطنية على مستوى الأردن، والنصف الآخر للدوائر في المحافظات، لكن هذا لم يتحقق وعادوا إلى قانون الصوت الواحد.
لذلك دعت الحركة الإسلامية إلى اجتماع للقوى السياسية لبحث الأمر، وبالفعل اجتمع نحو 46 حراكا بالمركز العام للإخوان المسلمين وقلنا لهم لن نتخذ قرارا غير القرار الذي سنصل إليه جميعا، واتفقنا على مقاطعة الانتخابات النيابية في ظل هذا القانون، وهناك محاولات كثيرة للوساطة لكنها لم تصل إلى شيء.
ولذلك نُظمت المسيرة الكبرى يوم الجمعة 5 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وكانت بالتنسيق مع قوى شعبية وتجمعات عشائرية وشخصيات وطنية ونقابية. واعتُبِرت هذه المسيرة الأضخم في تاريخ الأردن على مستوى التنظيم والمشاركة، على الرغم من أن النظام والإعلام والمخابرات حاولوا تخويف الناس بالقول إن الأمن لن يحمي المسيرة، وإن هناك مسيرة أخرى مؤيدة للنظام ستكون في نفس الوقت وسيحدث صدام، إلا أنه كان هناك إصرار من الحركات الشعبية على تسيير هذه المسيرة، وشكلت لها لجنة تحضيرية من عشرين شخصا، ثلاثة منهم فقط من الحركة الإسلامية.
هل ارتفع سقف مطالب الشارع الأردني إلى أن طالت الملك نفسه؟
- أحيانا نسمع هتافات من البعض الذين يئسوا من استجابة النظام لمطالب الإصلاح بعد مضي فترة طويلة، ويُوجه الخطاب للملك نفسه، وارتفع سقف الشعارات، لكننا في الحركة الإسلامية ملتزمون بسقف مطالبنا في إصلاح النظام، وسياستنا في ذلك المنهج السلمي وعدم الانجرار إلى أي صدام مع النظام أو قوات الأمن. لكن سقف المطالب لدى الشارع ارتفع بالفعل وربما يرتفع أكثر في الأيام المقبلة.
سنستمر في هذه الفعاليات وسنطوّر في أشكالها، وتتحول بدلا من مسيرات إلى اعتصام، وسنعقد مؤتمرا عاما يضم كافة الشرائح المطالبة بالإصلاح، وهناك خطوات أخرى إذا استمر النظام مستعصيا على الإصلاح.
والآن لا يكاد يمر يوم إلا وتخرج فئة تطالب بتحقيق مطالب معيشية، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية أصبحت ضاغطة بشدة على الشعب الذي أصبح في ضيق من العيش بعدما وصل عجز الموازنة لهذا العام إلى ملياريْ دينار، وقد تتصاعد هذه الحالة إذا لم يحدث إصلاح حقيقي وسريع.
النظام أعلن عن مجموعة من الإجراءات الإصلاحية، هل تراها كافية؟
- لا لم تكن كافية أبدا ولم تحقق الحد الأدنى لمطالب الشعب الأردني، وكانت مجرد تنفيس للغضب الشعبي دون الوصول إلى جوهر المطالب الشعبية بإصلاح حقيقي تجعل الشعب مصدر السلطات.
وكل ما جرى من تعديلات هي أمور شكلية، بل إنها فُرغّت من محتواها، فقد شُكلت محكمة دستورية لكن مكوناتها ومن يحق له التقاضي أمامها ليس إلا مجلس النواب والحكومة فقط، كما أن الهيئة التي شُكلت للإشراف على الانتخابات كان يُفترض أن تكون مستقلة، لكنها لم تكن كذلك فمعظم أعضائها موظفون حكوميون أو متقاعدون، إضافة إلى أن الذين سرقوا ونهبوا مقدرات الأردن ما زالوا يسرحون ويمرحون ولا يُقدمون للمحاكمة.
هناك انقسام واضح بين القوى السياسية الأردنية، لماذا هذا الانقسام في وقت أنتم أحوج ما تكونون إلى التوحد للضغط على النظام؟
- نحن حريصون على ألا يتعمق هذا الانقسام بين القوى السياسية المختلفة حرصا على الوطن وعلى مشروع الإصلاح، لكن هذه المشكلة عربية وليست أردنية فقط، فبعد أن ظهرت خيارات الشعوب العربية باختيار الإسلاميين عمن سواهم، فاجأ هذا الأمر بعض الليبراليين واليساريين وأصبح لسان حالهم أن بقاء الحال على ما هو عليه أفضل من وصول الإسلاميين إلى الحكم.
وهناك نقطة أخرى تتمثل في موقف بعض القوميين من الثورة السورية، فهؤلاء لا يقفون مع جراحات الشعب السوري، ويقولون إن ما يحدث بسوريا إساءة للنظام الممانع، وإن هناك أيادي أجنبية ومؤامرة، لكن الشعب الأردني بعمومه والحركة الإسلامية على وجه الخصوص تقف مع الشعب السوري انسجاما مع مبادئها وقيمها. وعلى كلٍ فإن القوى الشعبية والإصلاحية أقرب ما تكون إلى مواقف الحركة الإسلامية، إذ شارك في المسيرة الأخيرة أكثر من 89 حراكا شعبيا وعشائريا، ونحن قريبون منهم وهم قريبون منا في الشعارات والمطالب.
ما السبب في إعلانكم مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة؟ وهل من الوارد أن تعدلوا عن ذلك؟
- مقاطعة الانتخابات القادمة تنسجم تماما مع مطالبنا بالإصلاح، فحتى النظام نفسه حل مجلس النواب، لكنه دعا إلى انتخابات جديدة على الأسس نفسها التي كان عليها المجلس السابق، فالمقدمات والإرادة السياسية كما هي، ومن ثم سيأتي مجلس نيابي كالذي حُل وربما أسوأ منه.
والسؤال هو: لماذا إذن قام الشعب الأردني طوال الشهور الماضية وطالب بالإصلاح؟ لم يقم فقط من أجل قانون الانتخابات ولكن من أجل إصلاح سياسي حقيقي، وإذا جاءت الانتخابات بمجلس مميز عن المجلس السابق فإن حله سيكون متوقعا بأي لحظة، وليس هناك ضمانة بألا يحل المجلس ولا أن تكون الأغلبية هي التي ستشكل الحكومة المقبلة، كما أنه ليس هناك ضمان بعدم التدخل الأمني.
إذن لماذا ندخل هذه الانتخابات ونحن قد قاطعنا انتخابات 2010، والآن الملك حلّ هذا المجلس وسيأتي بمجلس مشابه، فلماذا إذن كل هذه الجهود هل هي جهود عبثية؟ وهذا ليس رأينا كحركة إسلامية فقط، ولكنه رأي 46 حراكا شعبيا قرروا جميعا المقاطعة، وهذا مؤشر على اقتراب الحركة الإسلامية من نبض الشارع ومن مطالبه.
ذكرتم من قبل أن الحركة الإسلامية في علاقتها بالنظام الأردني اقتربت وابتعدت وشاركت وقاطعت، ما هو معياركم في هذا؟
- مقياسنا في ذلك هو المصلحة الوطنية العامة فقط، فانتماء الحركة الإسلامية هو لوطنها ولشعبها ولأمتها، فلما كان النظام مهددا بالانقلاب عام 1957 كان موقفنا هو الحفاظ على الأردن من الانقلاب، ووجدنا أن البلد في خطر حقيقي، ولذلك وقفنا معه وكنا سببا في منع هذا الانقلاب
ورغم خلافنا مع البعثيين والقوميين فإننا أعطيناهم الثقة عندما شكلوا حكومة عام 1956 رغم كونهم خصوما سياسيين لنا، وقدمنا مصلحة الأردن وتناسينا خلافاتنا معهم.
وشاركنا في الانتخابات منذ أوائل الخمسينيات، لكننا قاطعنا للمرة الأولى عام 1997 بعد اعتراضنا على تشريع قانون الصوت الواحد والتضييق على الحريات العامة، وحاول الملك حسين إقناعنا بالعدول عن المقاطعة لكننا رفضنا، وكان قرارا مدويا في حينه، وفي عام 2003 شاركنا بالانتخابات ووجدنا أن من المصلحة حتى مع بقاء الصوت الواحد أن نعطي فرصة جديدة وأن نشترك بالانتخابات ونجح لنا 17 مرشحا.
وفي عام 2007 تم تزوير الانتخابات البلدية، وبعد مشاورات مع القوى الأخرى رأوا أن نشارك في الانتخابات النيابية فشاركنا حفاظا على الروابط معهم، لكن الانتخابات زورت تزويرا ليس له مثيل من قبل، حتى أُسقط جميع مرشحينا باستثناء ستة منهم فقط، وحُل المجلس بعد عامين لأن أمر التزوير كُشف، وفي انتخابات 2010 لم نشارك وها هو المجلس يُحل بعد عامين أيضا.
الخلاصة أن مشاركتنا أو مقاطعتنا وقربنا أو بعدنا، كل ذلك يقوم فقط من أجل تحقيق المصلحة الوطنية، ويُدلل على ذلك أن مطالبنا طوال عام ونصف ليس فيها مطلب واحد خاص بالحركة الإسلامية، وإنما هي مطالب عامة لمصلحة الأردن.