على الرغم من تحقق شبه إجماع، بين اغلب النقابات المهنية، على رفض قانون الانتخاب المعدل، فإن النقابات تحاول النأي بنفسها عن تعميم موقف نقابي محدد، من جدل المشاركة او المقاطعة للانتخابات النيابية المقبلة، المرتقبة قبل نهاية العام الحالي، وذلك بخلاف موقفها الداعم للمقاطعة في الانتخابات النيابية للعام 1997.
مجلس النقباء، الذي يضم تحت لوائه 14 نقابة مهنية، اعلن مرارا رفضه لقانون الانتخاب الجديد، والذي يقوم على مبدأ الصوت الواحد، فيما تدعم توجهات مجالس نقابية معينة، تصنف ضمن التيارات السياسية المعارضة، موقف المقاطعة للانتخابات المقبلة، احتجاجا على القانون، لكنها، حسب مراقبين، لم ترفع داخل نقاباتها شعار الدعوة للمقاطعة.
وفي وقت، يرى فيه نقباء عدم الحاجة لاتخاذ النقابات المهنية، منفردة او مجتمعة، لموقف من قضية المشاركة في الانتخابات او عدمه، يعتقد نقابيون ان من حق المجالس النقابية المنتخبة تبني توجه سياسي، سواء مع المشاركة او المقاطعة.
ويرى نقيب المحامين السابق صالح العرموطي ان النقابات المهنية تستمد قراراتها من هيئاتها العامة، التي هي من يقرر توجهاتها ومواقفها، معتبرا ان قضية المشاركة في الانتخابات النيابية للنقابيين "شخصية أكثر مما هي عامة"، موضحا أن النقابات "ليس لها القدرة على فرض قرار بالمقاطعة او المشاركة، لأنها عبارة عن تجمع لأشخاص واعضاء من مختلف الأحزاب والقوى السياسية، والأطياف الشعبية ذات الآراء المختلفة".
ويعتبر العرموطي أن تبني نقيب مهني ما للمقاطعة، ومحاولته إقناع الهيئة العامة الخاصة بنقابته، "يجب أن يكون مبنيا على قوة الحجة والإقناع من قبل النقيب او غيره، لا بالإلزام والفرض"، رافضا "الحجر على النقابات والنقابيين في الحديث في القضايا السياسية والعامة التي تهم الوطن والناس".
وينوه الى ان النقابات المهنية تضم نحو خمس سكان المملكة، بين اعضاء وعائلاتهم، وهذا العدد هو ركيزة ومرجعية لصناع القرار السياسي، الأمر الذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار.
كما يرى أن دور النقابات "تراجع فعليا في العمل العام بشكل كبير"، الأمر الذي أدى إلى "ضعف في التأثير على صناعة القرار في الوطن"، مشيرا إلى أن دور النقابات "في الحراك الشعبي أصبح يقارب الصفر".
ويبين العرموطي أن الملتقى الوطني للأحزاب السياسية والنقابات المهنية "معطل حاليا، بعد أن كان رابطا بين الطرفين ويحقق توافقا وتأثيرا للنقابات والأحزاب في العملية الاصلاحية".
بدوره، يشدد الناشط المهندس خالد رمضان، عضو مجلس نقابة المهندسين سابقا، وبصفته منسق التيار القومي التقدمي، على أن المقاطعة للانتخابات "يجب أن تكون مطلبا رئيسيا وأمرا إيجابيا" للنقابات وغيرها، معتبرا أن مجلس النواب "خذل المواطنين، ولم يستجب للمطالب الشعبية بتحقيق اصلاح حقيقي".
ويؤكد أن الشعب الأردني يطالب بالإصلاح منذ أعوام، وكان أمام مجلس النواب
الفرصة لتحقيق هذا الإصلاح، مضيفاً ان "النقابات المهنية، وإن كانت لم تقرر موقفا من الانتخابات النيابية بعد، فإنها امام فرصة حاليا، لتسجيل موقف قوي بتبني المقاطعة، في ظل التراجع الكبير في دورها على الصعيد السياسي والشعبي".
ويعتبر رمضان أن ثمة "حالة هشة من الترابط بين النقابات التي تتباين آراؤها إزاء قضايا تعتبر ثانوية، وفي مواجهة قضايا أكثر حساسية، وإلحاحا من المطالب الشعبية، حيث بدأت هذه التباينات تثير موجة من الانتقادات من قبل الأوساط الشعبية تجاه النقابات، لكن هذه الاوساط ما تزال ترى في النقابات المهنية عنوانا ثابتا للحرية".
وكانت النقابات المهنية اقرت بالأغلبية في العام 1997 مقاطعة الانتخابات النيابية، رفضا لقانون الانتخاب آنذاك، وذلك بالتوازي مع موقف الحركة الاسلامية وبعض القوى السياسية المقاطع للانتخابات في ذلك الوقت.
ويأتي التراجع النقابي هذا العام وسط تفاعل كبير للمشهد السياسي في المنطقة العربية التي تسارعت نحو التأزم، حيث أن الجارة الشمالية للمملكة سورية مشتعلة، فيما تزداد التهديدات الصهيونية للأردن وخصوصا حول قضية الوطن البديل.
ويضيف رمضان إنه لا بد من الإشارة إلى أن الملف السوري ساهم بزعزعة الأوضاع داخل الجسم النقابي، كما أن الوضع الداخلي في المملكة من مطالبات بالإصلاح الشامل ساهم هو الآخر بقصم ظهر الوحدة النقابية.
ومن بين النقابات المهنية، من لها توجه إسلامي وآخر قومي وغيرها من التوجهات، فمن المعروف ان نقابة المهندسين التي تعتبر من كبرى النقابات، تعتبر معقلا للتيار الاسلامي في مجمع النقابات المهنية ولها تأثير على آراء المهنيين من موضوع الانتخابات.
واكد نقيب المهندسين عبدالله عبيدات أنه "مقاطع للانتخابات النيابية المقبلة، لأنها ستجرى وفق قانون مرفوض مهنيا وشعبيا"، مبينا أنه لو تم إقرار وتعديل القانون إلى قانون توافقي فإن القرار سيكون مختلفا حينها.
ويبين أن مجلس النقابة إذا كان مقاطعا للانتخابات، فإن ذلك لا يعني أن جميع منتسبي النقابة من أعضاء الهيئة العامة هم مقاطعون، فالمقاطعة أو المشاركة رأي شخصي لن يقوم مجلس النقابة بالتأثير عليه.
ويرجع نجاح النقابات المهنية في استصدار مقاطعة تامة لانتخابات العام 1997، بثقل النقابات خاصة أنها كبرى مؤسسات المجتمع المدني، وقوتها بفرض آرائها وتطلعاتها السياسية والتي كانت مبنية على أسس مهنية واجتماعية لقربها من الشارع الأردني.
ويوضح عبيدات أن النقابات في الفترة الحالية ابتعدت كثيرا عن دورها في السابق، نظرا لبروز الحراك الشعبي والقوى السياسية الأخرى التي أضعفت من دور النقابات على الصعيد السياسي.
وكان نقيب الصيادلة الدكتور محمد عبابنة أكد في تصريح سابق "ان الحصول على البطاقة الانتخابية هو واجب وطني، وليس موقفا سياسيا ولا يعني بالضرورة التصويت في الانتخابات".
ويوضح أن الحصول على البطاقة الانتخابية يعني ممارسة المواطن حقه الديموقراطي الذي كفله له الدستور، وان اراد ان يأخذ موقفا فإن الدستور اعطاه الحق بممارسة حقه في الانتخاب من عدمه.
من جهته، يعتبر رئيس مجلس النقباء نقيب أطباء الأسنان الدكتور عازم القدومي "أن ما خرجت به الحكومة من قانون انتخاب طالما انتظره المواطن، كان مخيبا جدا للآمال ولإرادة الشعب ولإرادة جلالة الملك عبدالله الثاني ورغبته الحقيقية
في الإصلاح".
ويضيف "إزاء هذا الوضع، فلا بد من وقفة لكل الآملين بالإصلاح السياسي والنهوض بهذا الوطن، لدراسة الأمر والوقوف على الأسباب الحقيقية التي اصرت لأجلها الحكومة على مخالفة رغبات الملك وطموح الشعب بالنهوض، ومن ثم تحديد الموقف تجاه العملية الانتخابية برمتها".
ويشير القدومي الى عدم وجود ما يشجع على المشاركة ضمن إطار قانون الهدف منه "وأد الإصلاح" والمراهنة على انتهاء الربيع العربي لنعود الى المربع الأول.
ويبين أن الدعوة لمقاطعة الانتخابات يجب ان تكون مبنية على رأي شخصي، لأن أي نقيب ليس من حقه أن يلزم نقابته وزملاءه المنتسبين لها بموقف معين من الانتخابات، وهذا هو شأن منتسبي النقابة ليس اكثر، مبينا أنه ليس مع التحذير من المقاطعة وتعميم ذلك على النقابات المهنية ككل.
ويستبعد القدومي قيام مجلس النقباء باستصدار بيان خاص يدعو إما للمقاطعة او للمشاركة، تاركا هذا الأمر للهيئات العامة التي تحدد أولوياتها لظروفها الخاصة وآرائها الشخصية.
ويلفت إلى ان النقابات المهنية تمر في الفترة الحالية بحالة "ضعف" في التأثير، نظرا لابتعادها اللامقصود عن الهموم الوطنية وانشغالاتها بقضاياها المهنية التي تهم مئات الآلاف من منتسبيها.