أخبار البلد -
في المعلومات، أن أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب غير مقتنعين بإمكانية إجراء الانتخابات النيابية هذا العام. ولهذا فهم يستغلون ما جاء لصالحهم في التعديلات الدستورية إلى أبعد الحدود، لأنهم يعرفون أنهم يضغطون على عصب الدولة لتمرير قانون الانتخاب الذي على أساسه ستجرى الانتخابات المقبلة.
نقطة الارتكاز في الإصلاح الحقيقي تعتمد على ما سيستقر عليه قانون الانتخابات النيابية، لكن مراكز صناعة القرار لا تتحدث بلغة واحدة عندما يتعلق الأمر بقضايا الإصلاح، فمثلما اختلفت نظرتها إلى التعديلات الدستورية، تختلف الآن حول قانون الانتخاب.
هناك أطراف لا تريد التقدم سنتمترا واحداً باتجاه دمقرطة الحكم في البلاد، وتقاتل من أجل احتفاظ صاحب القرار بالصلاحيات المطلقة، وهي ملكية أكثر من الملك في الموقف من قانوني الانتخاب والأحزاب، حيث تشكَّل في أوساط النخبة الحاكمة تيار يسعى لإسقاط كل ما هو في ميزان الإصلاح، من دون أن يقدم البديل الإصلاحي، كل ما في الأمر أن هذا التيار يريد خلط الأوراق وإثارة الزوابع حول الأفكار المقترحة، ليس بهدف البحث عن خيارات أفضل، وإنما فرملة عملية التغيير والإصلاح.
ينسحب الموقف ذاته على ما يتسرب من معلومات حول قانون الانتخاب، إذ تسعى قوى الشد العكسي إلى إفراغ القانون من مضمونه الديمقراطي، واقتصاره على الأمور الشكلية من غير حساب للنتائج الكارثية المترتبة على بقاء الأوضاع على حالها.
يصاب المرء بالصدمة عندما يقابل سياسيين في الدولة مازالوا يفكرون بالطريقة القديمة، وكأن العالم العربي بركة ساكنة وليس بحراً هائجاً، كما نرى كل يوم.
حال المعارضة ليس بالأحسن، فهناك قوى ومجموعات تفهم الإصلاح على أنه العودة إلى عصر الدولة الرعوية، دولة امتيازات وعطايا، لا دولة قانون ومؤسسات كما تطمح الأغلبية من الشعب، وفي المعارضة أيضاً تيارات مغامرة يقودها مراهقون في السياسة والشعبوية، تريد القفز عن الحقائق الموضوعية والانقلاب على المعادلة التاريخية في لحظة خاطفة.
في لوحة الموزاييك التي نشهدها، هناك من يخلط بين مطالب الإصلاح السياسي والتعديلات على الدستور، ويدرج مطلب حكومة الأغلبية البرلمانية ضمن قائمة التعديلات الدستورية المطلوبة، متجاهلاً أن هذا تقليد سياسي يجرى التوافق عليه بين الأطراف المنخرطة في العملية الديمقراطية، وإلا كيف استطاع المرحوم سليمان النابلسي تشكيل حكومته عام 1957 من دون نص دستوري!
لكن وسط هذا المشهد هناك أوساط واسعة، وبخاصة من الحراكات الشبابية حديثة النشأة، تعرف بدقة حاجات الإصلاح في المرحلة الحالية، وتدرك نوعية الخطوات المطلوبة سواء ما تعلق منها بالإصلاح السياسي أو التعديلات الدستورية، وتملك هذه القوى فرصة ممتازة لتقدم الصفوف في المستقبل القريب وتقديم نموذج حيوي وجديد للمعارضة في الأردن بشرطين؛ أولهما ألا تستعديها الدولة أو تسعى لاحتوائها على الطريقة المعهودة، والشرط الآخر ألا تفكر قوى تقليدية ذات خطاب مزدوج وعقلية رجعية بركوب الموجة والقفز من عن ظهر هذه الحراكات إلى أجندات لن تجد يوماً مؤيدين لها.
في الجبهتين -الدولة والمعارضة- ينبغي العمل على عزل قوى الشد العكسي، وخلق تحالف عريض بين الأطراف صاحبة المصلحة في الإصلاح، وإلا فإن أعداء الإصلاح سيتمكنون وللمرة العاشرة من وأد العملية في مهدها.