في كل يوم اتصفح منشورات الفيس بوك سواء على الصفحات الشخصية لناشطي الحراك او المجموعات اللامتناهية لمجموعات تنتمي للحراك.
وفي كل يوم اجد مئات من المنشورات وفي مجملها تصب في نفس الاتجاه وهو ترديد لمطالب الشارع الاردني، كم هائل من المنشورات تعبر عن مدى الوعي و الادراك لمكونات الازمة الاردنية، وتضع الحلول المناسبة للخروج من الازمة، وتجد ايضا ما مجموعه يصل الى الالاف من التعليقات على هذه المنشورات، تثري الحوار وتزيد من خبرات ومعرفة القارئ، وفي المجمل هي في النهاية خلقت ما يمكن ان يوصف بالاتفاق الشعبي على اسباب الازمة والحلول لها.
ففي كل اسبوع ومن خلال متابعتي لصفحات التواصل الاجتماعي اصل الى قناعة بان هذا الاسبوع سيكون هو الاسبوع الفاصل وترتفع الامال والمعنويات الى حدود السماء.
في نفس الوقت اقوم بتصحف الصحف الاردنية والمواقع الاخبارية الاليكترونية يوميا، واتتبع حراك الشارع الاردني عن قرب.
العديد من المسيرات والعديد من الاعتصامات، تتفاوت في شعاراتها ومطالبها، تظهر للمتابع صورة مظلمة للحراك، فيظهر كحراك مشتت متفرِق ولا تجمعه العديد من العوامل المشتركة....
اما الاعداد فحدث ولا حرج، فتنخفض الاعداد لتصل الى بضعة اشخاص في مسيرة ما، وفي احسن احوالها ترتفع لتصل الى بضعة الاف، فأُصاب باحباط وخيبة امل كبيرة.
في الثورات العربية المحيطة بنا، لعب الفيس بوك بشكل خاص ومواقع التواصل الاجتماعي بشكل
عام دورا رياديا في نجاح هذه الثورات من خلال فتح الحوار والتنسيق بين مكونات حراك هذه الدول وفي النتيجة كان نقل الاجماع والتوحد من العالم الافتراضي الى الشارع، حتى اطلق على الربيع العربي جزافا لقب " ثورات الفيس بوك" ، وكان هذا صحيح الى حد بعيد.
في الاردن يبدو ان الحراك الاردني قد تبنى هذا اللقب والتزم به حرفيا، فالحراك الاردني يظهر وكأنه " حراك فيس بوكّي" بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى ولم يتجاوزها، فنرى إجماع الالاف واتفاقهم عبر صفحات الفيس بوك دون ان نرى اثراً يذكر لهذا الاجماع على الشارع الاردني في حراكه الذي بدأ يتعدى عامه الثاني...
فهل نسي الحراك الاردني ان الفيس بوك هو لتوحيد الاراء والجهود تمهيدا الى نقلها للشارع فقط، وهل نسي الحراك الاردني ان صفحات التواصل الاجتماعي هي الوسيلة وليست الغاية...
وهنا فان الطرح في هذا الموضوع لا يعني التقليل من شأن انجازات الحراك، ولكن هو لتسليط الضوء على الفجوة والتي تتفاقم ما بين ما نراه على صفحات التواصل الاجتماعي وبين ما نلمسه في حراك الشارع، فالهدففي النهاية هو الوصول الى التناغم ما بين العالمين الافتراضي وحراك الشارع، فهما مكملان لبعضهما البعض وكل منهما يثري الاخر.
تطورت الدول وتقنياتهاالعسكرية، ومعها تطورت الحروب واستراتيجياتها، فاصبحت الحروب كما يسميها بعض المحللين العسكريين بالحروب الافتراضية " تدار من مكاتب ومن خلف شاشات الحاسوب على بعد الاف الاميال من ساحة المعركة, من خلال توجيه ضربات جوية وصاروخية بعيدة المدى دون وجود قطعات ارضية كبيرة في ساحة المعركة" الا ان هذه الحروب لم تنجح لغاية الان في اي مكان دون ان ترافقها القطعات العسكرية الارضية " Boots on the ground", فالحرب الافتراضية قد تضعف العدو، ولكنها بالتأكيد لن تهزمه.
وفي نفس هذا القياس اقول ان:
"الثورات الافتراضية لا تُنتِج الا نجاح إفتراضي"
ملاحظة:
ظهر مصطلح " Boots on the ground" لاول مرة في بريطانيا عندما استخدمه الخبير العسكري وراسم الاستراتيجيات العسكرية " روبرت ثومبسون " في عام ١٩٤٨- ١٩٦٠ في معارك قمع ثورة الجيش الوطني لتحرير ماليزيا، واعيد استخدامه بقوة في الحرب الامريكية الفيتنامية من قبل الجنرال وليام ويستمورلاند ١٩٦٥-١٩٦٨، اما الاستخدام الظاهر والقوي في الحروب الحديثة فكان في الغزو الامريكي للعراق عام ٢٠٠٣، ففي بداية الغزو كان عدد القوات الامريكية لا يتجاوز الخمسون الف جندي، ليرتفع الى قرابة النصف مليون قبل حسم المعارك.
والعبارة في المجمل تعني ان المعارك لا تحسم الا بوجود القطعات العسكرية الارضية في ساحة المعركة لتأمين وضمانة النصر.