لم يعد المحتوى الرقمي في عصرنا الحديث ترفاً إعلامياً أو أداة ثانوية للتواصل، بل أصبح قوة فاعلة ومؤثرة في تشكيل الصورة الذهنية للدول، ووسيلة رئيسية لإبراز هويتها وإنجازاتها أمام العالم. ومن هذا المنطلق، تبرز مشاركة الأردن في كأس العالم المقبلة كفرصة تاريخية واستراتيجية لتسويق المملكة رقمياً، وإظهارها بالصورة الجميلة التي تعكس واقعها الحقيقي وإنجازاتها المتراكمة.
لقد أسهم العديد من صنّاع المحتوى والمؤثرين الأردنيين، بجهود فردية ومبادرات وطنية صادقة، في نقل صورة ناصعة عن الأردن الحضاري، بثقافته، وتسامحه، وأمنه، وتقدمه، ما جعل المحتوى الرقمي الأردني حاضراً بقوة في الفضاء الإلكتروني العربي والدولي. ومع التطور اللافت لكرة القدم الأردنية، ووصولها إلى العالمية من خلال التأهل إلى كأس العالم، إضافة إلى اعتلاء منصات التتويج في كبرى البطولات العربية، بات اسم الأردن حاضراً في المشهد الرياضي العالمي، وموضع اهتمام ومتابعة من جماهير وإعلام مختلف الدول.
هذا الإنجاز الرياضي لم يلفت الأنظار إلى منتخب النشامى فحسب، بل فتح باب التساؤل والفضول العالمي حول الأردن: موقعه، وتاريخه، وثقافته، ومواقفه، وشعبه. ومن هنا، تبرز ضرورة الاستعداد المبكر والمنهجي لهذا الحدث العالمي، عبر استراتيجية وطنية متكاملة لإنتاج محتوى رقمي احترافي، يقدّم الأردن بصورة مشرقة من جميع الجوانب.
إن تسويق الأردن رقمياً خلال كأس العالم يجب أن يتجاوز الإطار الرياضي، ليشمل التعريف بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، ودوره السياسي المتوازن، ومواقفه المشرفة تجاه قضايا الأمة العربية، وعلاقاته الأخوية مع الأشقاء والجيران. كما ينبغي تسليط الضوء على العنصر البشري الأردني المتميز، الذي أثبت كفاءته في مختلف المجالات العلمية، والطبية، والعسكرية، والتقنية، والإبداعية، بوصفه الثروة الحقيقية للوطن.
ولا يمكن الحديث عن الصورة الحضارية للأردن دون إبراز الدور الريادي للمرأة الأردنية، صاحبة الإنجازات الفريدة والحضور الفاعل في ميادين التعليم، والسياسة، والاقتصاد، والإعلام، والرياضة. إن تقديم نماذج مشرّفة للمرأة الأردنية ضمن المحتوى الرقمي يعكس واقع المجتمع الأردني المتقدم، ويعزز من صورته كدولة تؤمن بالشراكة والتمكين والعدالة.
إن حدثاً بحجم كأس العالم، ومع وجود فريق النشامى الطموح الساعي إلى تحقيق إنجازات نوعية، سيجعل الأردن تحت مجهر الاهتمام العالمي، وستتجه الأضواء نحوه باعتباره بلداً معطاءً، مستقراً، ومليئاً بالقصص الإنسانية والنجاحات الملهمة. وعليه، فإن الاستثمار الذكي في المحتوى الرقمي خلال هذه المرحلة لا يُعد خياراً، بل واجباً وطنياً، وأداة استراتيجية لتعزيز مكانة الأردن، وترسيخ صورته الإيجابية في الوعي العالمي.
ان حسن استثمار كأس العالم رقمياً سيمنح الأردن فرصة ذهبية ليحكي قصته للعالم بلغته الحديثة، ويؤكد أن هذا الوطن، بقيادته وشعبه وشبابه، قادر على تحويل الإنجاز الرياضي إلى منصة حضارية تعكس تاريخه العريق، وحاضره الواعد، ومستقبله المشرق.
مستشار وخبير تكنولوجيا معلومات.
المهندس عبدالحميد الرحامنة.