بعد ثلاثة أيام من عملية التصويت الأممي لتجديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» لثلاث سنوات إضافية في نيويورك، صعّدت سلطات الاحتلال الإسرائيلي هجومها على الوكالة الأممية، حيث اقتحمت المقرّ العام في حي الشيخ جراح في مدينة القدس المحتلة.
وصادرت سلطات الاحتلال المعدات ورفعت علم دولة الاحتلال بدلاً من علم الأمم المتحدة الأزرق.
وحذر مصدر يعمل في الوكالة الأممية ورفض الكشف عن اسمه في حديث مع «القدس العربي»، من أن الاحتمالات تشير إلى أن قوات الاحتلال تريد هدم أجزاء من المبنى لصالح مشروع استيطاني يقع بالقرب منه، وهو أمر يصطدم بإجراء قانوني نظراً إلى أن ملكية المبنى تعود للحكومة الأردنية وأن «الأونروا» استأجرته منذ خمسينيات القرن الماضي.
وقالت وكالة «الأونروا» إن أعداداً كبيرة من القوات الإسرائيلية اقتحمت مقرها في حي الشيخ جراح في القدس الشرقية.
وأضافت الوكالة في بيان صحافي وصل إلى «القدس العربي» أن شاحنات ورافعات شوهدت تدخل المقر، و»لا تتوفر حتى الآن معلومات إضافية، حيث قطعت القوات الإسرائيلية الاتصالات، كما لا يوجد حالياً أي موظف من الأمم المتحدة داخل المقر».
وشددت الوكالة على أن دخول القوات الإسرائيلية غير المصرح به وبالقوة يعد «انتهاكاً غير مقبول لامتيازات وحصانات «الأونروا» كوكالة تابعة للأمم المتحدة».
ووصف مدير شؤون «الأونروا» في الضفة الغربية رولاند فريدريك الاقتحام بالخطير.
وأضاف فريدريك أن هناك قوانين أقرها الكنيست الإسرائيلي لمنع عمليات الوكالة في القدس الشرقية، وهي قوانين تنتهك القانون الدولي، مؤكداً أن «ما حدث اليوم يشكل جزءاً من تنفيذ استراتيجية تهدف إلى منع عمل الوكالة في القدس، وهو العمل الذي بدأ منذ الخمسينيات من القرن الماضي في المقر الذي تمت السيطرة عليه الآن».
وأشار إلى أن المقر خالٍ من الموظفين منذ تسعة أشهر بفعل سريان قانون منع ممارسة أي أعمال، وهو ما كان يمكن أن يسبب خطورة كبيرة في حال وجود الموظفين، ومع ذلك استمرت الوكالة في تقديم الخدمات من تعليم وصحة وجمع النفايات.
ورأى فريدريك أن هذا تصعيد غير مسبوق يأتي بعد أيام من تجديد ولاية الوكالة لمدة ثلاث سنوات، إضافة إلى وجود رأي استشاري حول التزامات دولة إسرائيل الذي ينص على ضرورة الالتزام بالواجبات وفق نصوص القانون الدولي.
وأدان المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك «بشدة» دخول السلطات الإسرائيلية دون تصريح إلى المجمع.
ويذكر أن القوانين الإسرائيلية التي أقرها الكنيست أصبحت نافذة بتاريخ 29 كانون الثاني / يناير 2025، كما أدى قرار اتخذ في شهر أيار / مايو الماضي إلى إغلاق ست مدارس في القدس الشرقية، ما تسبب في حرمان أكثر من 800 طفل من التعليم.
وأغلق المقر في الثامن والعشرين من كانون الثاني / يناير الماضي إثر قرارين صادرين عن الهيئة العامة للكنيست بالقراءتين الثانية والثالثة يقضيان بمنع الوكالة من ممارسة أي أنشطة داخل المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية، وسحب الامتيازات والتسهيلات منها، ومنع أي اتصال رسمي إسرائيلي بها اعتباراً من الثامن والعشرين من تشرين الأول / أكتوبر الماضي.
وقالت مسؤولة الإعلام في «الأونروا» عبير إسماعيل لـ«القدس العربي» إن قوات الشرطة ما زالت موجودة في المقر بعد أكثر من 15 ساعة على عملية الاقتحام، وإن هناك عمليات مصادرة لمعدات خاصة قليلة. وأضافت أن شاحنات ورافعات شوهدت تدخل المقر، وأن المعلومات ما زالت قليلة بسبب قطع قوات الأمن الإسرائيلية للاتصالات، كما لا يوجد أي موظف أممي داخل المقر.
وشددت إسماعيل على أن دخول القوات الإسرائيلية بالقوة هو «انتهاك غير مقبول لامتيازات وحصانات الأونروا»، مشيرة إلى أن إسرائيل طرف في اتفاقية امتيازات وحصانات الأمم المتحدة التي تنص على حرمة مقرات المنظمة وأن ممتلكاتها محصنة من التفتيش والمصادرة والإجراءات القانونية.
كما أكدت أن الشرطة استعانت برافعات وشاحنات لنقل ممتلكات من داخل المقر، شملت أثاثاً ومعدات تكنولوجية مثل كاميرات المراقبة والحواسيب ومخازن حديد متنقلة. وبينت إسماعيل أن الموظفين الأجانب غادروا المدينة مطلع شباط / فبراير الماضي بعد انتهاء مدة إقامتهم، ولم تُجدَّد لهم الإقامات من قبل السلطات الإسرائيلية، وبالتالي لا يوجد أي موظفين دوليين في القدس حالياً.
وذكرت إسماعيل أن المقر المقتحم تعرض لمحاولات اقتحام عدة من مستوطنين وقوات إسرائيلية خلال العام الماضي، مشيرة إلى أن المبنى منشأة أممية مملوكة للحكومة الأردنية وأن الاقتحام يمثل خرقاً كبيراً للقانون الدولي ويتطلب تحركاً عملياً لوقف الاعتداءات.
وقالت محافظة القدس في بيان إن اقتحام المقر «يمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي وتعدياً خطيراً على حصانة مؤسسات الأمم المتحدة، في مخالفة واضحة لميثاق المنظمة وشروط عضويتها وقراراتها». وأوضحت أن الاقتحام يأتي في سياق اعتداءات نفذها مستوطنون ونواب في الكنيست عقب دخول قرار حظر عمل «الأونروا» في القدس الشرقية حيز التنفيذ بتاريخ 30 كانون الثاني / يناير الماضي.
وقال الخبير في شؤون الوكالات الأممية سامي مشعشع إن التصويت على تجديد ولاية «الأونروا» يعيد طرح قضية اللاجئين على المنصة الدولية، لكنه منفصل تماماً عن الواقع على الأرض.
وقال إن «التصفيق في نيويورك يبدو جميلاً لكنه لا يعكس حقيقة أن قوات الاحتلال تعيد هندسة المخيمات في غزة والضفة من خلال شطب تعريف لاجئ ومنع المؤسسات الدولية والسيطرة على الشوارع وشبكات المياه والكهرباء، وهي إجراءات ستتوسع لتشمل مخيمات الضفة كافة وأي تصور مستقبلي لغزة، حيث إن 70% من السكان لاجئون مسجلون لدى «الأونروا»، وهو ما يفقد الوكالة تدريجياً دورها في حماية الحقوق الأساسية للاجئين». وقد صوتت 151 دولة لمصلحة القرار من أصل 173 دولة حاضرة، فيما عارضته 10 دول وامتنعت 14 دولة عن التصويت. وقال مشعشع لـ»القدس العربي» إن ما يحدث على الأرض أخطر بكثير من أي تصويت، ورأى أن الإجراءات الإسرائيلية تستهدف شطب دور «الأونروا» وإعادة رسم واقع جديد.