بينما كانت مدينة الفاشر محاصرة من قبل "قوات الدعم السريع” قبل سقوطها في أكتوبر الماضي، انخرط طاقم طبي قليل العدد في علاج الجرحى في المستشفى السعودي، آخر المستشفيات العاملة في المدينة.
وانهالت القذائف على المنطقة المحيطة بالمستشفى، ما أسفر عن إصابة مدنيين ومقاتلين، فيما عمل الطاقم الطبي على تضميد الجروح وتجبير الأطراف المكسورة باستخدام قماش "الناموسيات” بعد نفاد الشاش والضمادات.
وقالت إحدى الممرضات إن الأمر بدا وكأنه "يوم القيامة”، مضيفة: "اضطررنا للقفز من فوق الجثث للوصول إلى المرضى. لم نتمكن من دفنهم بسبب تحليق الطائرات المسيرة فوقنا”.
وفي 27 أكتوبر، اقتاد مسلحو "قوات الدعم السريع” عبد الله يوسف، وهو تاجر اختطفوه في الطريق. وقال يوسف لـ”رويترز” إنه رأى جثثا متناثرة في أنحاء مجمع المستشفى، بينها جثث أطفال ونساء وشيوخ ومرضى لم يتمكنوا من الفرار بسبب حالاتهم المرضية، مشيراً إلى أنه شاهد مسلحي قوات الدعم السريع يأخذون أشخاصا من المستشفى ويحتجزون بعضهم لطلب الفدية ويقتلون آخرين.
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن قصف المستشفى السعودي أسفر عن مقتل ممرضة وإصابة ثلاثة أفراد آخرين من أطقم الرعاية الصحية في 26 أكتوبر. وأشارت إلى أن هجوماً آخر وقع في 28 أكتوبر، قُتل فيه أكثر من 460 شخصاً من المرضى ومرافقيهم بالرصاص”.
وتكشف صور ملتقطة بالأقمار الصناعية، في 28 أكتوبر، علامات على عمليات قتل جماعي في المستشفى السعودي. ووفقا لتحليل من مختبر البحوث الإنسانية في جامعة ييل، تُظهر الصور مجموعات من أجسام بحجم جسد الإنسان. وذكر الباحثون في المختبر أن صوراً التقطت في وقت لاحق أظهرت ما يبدو أنها جثث تُحرق، مع أجسام بيضاء مستطيلة الشكل "متفحمة بشكل واضح مع انبعاث دخان أسود اللون”.
وضربت هجمات أكتوبر على المستشفى السعودي مثالاً صارخاً على ما اعتبره الأطباء حملة ممنهجة من جانب قوات الدعم السريع لتفكيك نظام الرعاية الصحية في مدينة الفاشر خلال فترة حصارها، كجزء من محاولات أوسع نطاقا لطرد المدنيين والاستيلاء على عاصمة ولاية شمال دارفور.
وذكرت "قوات الدعم السريع”، في بيان صدر في أكتوبر قبل سقوط الفاشر، أن أعداءها استخدموا مستشفيات المدينة كثكنات عسكرية ولشن هجمات. ونفى مسعفون في الفاشر هذا الاتهام، قائلين إن هذه المرافق تُستخدم للأغراض الطبية فقط لعلاج المدنيين والجنود الجرحى.
وبموجب القانون الإنساني الدولي يتمتع المقاتلون الذين يعانون من العجز بسبب المرض أو الإصابة بالحماية من الهجمات، وكذلك المستشفيات التي تعالج المقاتلين.
ووفقا لبيانات برنامج (إنسيكيوريتي إنسايت)، الذي يجمع بيانات لمجموعة من المنظمات الدولية غير الحكومية تُسمى (تحالف حماية الصحة أثناء النزاع)، فإنه منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل نيسان 2023، تعرّضت مرافق الرعاية الصحية في شمال دارفور للهجوم أو الأضرار أو عرقلة العمل بها ما لا يقل عن 130 مرة. وتُشير البيانات إلى أن "قوات الدعم السريع” مسؤولة عن 71 في المئة على الأقل من هذه الوقائع، بينما تتحمّل القوات المسلحة السودانية مسؤولية ثلاثة بالمئة منها. وشملت معظم الحالات المتبقية جهات مجهولة أو قتالاً بين "الدعم السريع” والقوات المسلحة السودانية.
وبحسب البيانات، قُتل ما لا يقل عن 40 من العاملين في قطاع الصحة.
وردا على أسئلة من رويترز، نفى مسؤول كبير في الجيش السوداني التقارير التي تحدثت عن مهاجمة الجيش لمنشآت طبية. وقال المصدر إن "الجيش هو من كان يدافع عن المواطنين في الفاشر قبل ان يدخلها الدعم السريع وهذا واجب الجيش في أيّ مكان في السودان”.
وكانت الفاشر قد فقدت المستشفيات تباعاً، إذ وقعت” في 11 مايو 2024، غارة جوية نفذتها القوات المسلحة السودانية على بُعد حوالي 50 مترا من مستشفى بابكر نهار للأطفال، ما أدى إلى انهيار سقف وحدة العناية المركزة ومقتل طفلين وأحد مقدمي الرعاية، وفقا للبيانات وتقرير صادر عن منظمة أطباء بلا حدود.
وقال الجراح عز الدين أسو إنه كان يجري عملية جراحية في مستشفى الجنوب في يونيو 2024، عندما اخترقت مدفعية "قوات الدعم السريع” غرفة العمليات. وأضاف أن "مقاتلي قوات الدعم” داهموا المستشفى في اليوم التالي واعتدوا عليه بالضرب. وأُغلق المستشفى نهائيا، مما اضطر فريقه إلى الانتقال إلى المستشفى السعودي.
ونقلت "رويترز” عن سكان وقلهم إن تقدم قوات الدعم السريع دفعهم إلى الانتقال من منشأة طبية مدمرة إلى أخرى.
وتحظر قوانين الحرب الدولية استهداف المدنيين أو المنشآت المدنية، وتوفر حماية قانونية مشددة للمستشفيات والوحدات الطبية.
وقال توم دانينباوم، الأستاذ في كلية الحقوق بجامعة ستانفورد، إن الهجمات على مرافق الرعاية الصحية في الفاشر، نظرا لطبيعتها المتكررة، هي انتهاكات واضحة، مطالباً بـ”إجراء تحقيقات في جرائم حرب”.