ما جرى في الضليل لم يكن مجرد خطأ بروتوكولي أو التباس اجتماعي، بل حادثة سياسية فاضحة تمس جوهر الثوابت الوطنية وتكشف هشاشة الانضباط الإجتماعي والتنظيمي وضعف الرقابة الداخلية في واحدة من أكثر اللحظات حساسية في الوعي الأردني.
فأن يُستقبل عضو كنيست إسرائيلي معروف بولائه لنتنياهو وتأييده للعدوان والإبادة في غزة على موائد الضيافة داخل الأراضي الأردنية هو فعل لا يمكن تبريره ولا التهوين من خطورته، لأنه يتجاوز حدود السذاجة إلى حدود التطبيع الصريح مع مجرم حرب يقف خلف المجازر بحق المدنيين.
التذرع بالجهل أو حسن النية لا يقنع أحداً، إذ لا يُعقل أن من ينظم مأدبة بهذا الحجم يجهل هوية ضيفه أو تاريخه السياسي، ولا يمكن لمسؤول سياسي أن يتنصل من مسؤوليته الأخلاقية والوطنية بحجة المفاجأة.
أما قرار الإيقاف والتحويل إلى المحكمة الداخلية، وإن بدا محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فإنه جاء متأخراً ومحمّلاً بطابع الدفاع عن السمعة أكثر من الدفاع عن المبدأ، وكأنه إجراء تكتيكي تحت ضغط الغضب الشعبي والإعلامي لا موقفاً نابعاً من قناعة ثابتة.
إن هذه الحادثة تفضح ازدواجية الخطاب الذي يرفع شعارات المقاومة ورفض التطبيع بينما تتسلل من داخله ممارسات تخالف تلك الشعارات جهاراً، وتؤكد أن الخلل ليس في الأفراد بل في البنية التي سمحت بتراخي المعايير، في لحظةٍ يقف فيها الأردن بكل مؤسساته وشعبه ضد المجازر الصهيونية في غزة، تأتي مثل هذه المشاهد لتطعن الوجدان الوطني وتضعف الموقف العام، وتمنح العدو فرصة لاختراق جدار الممانعة الشعبية عبر واجهات محلية غافلة أو متواطئة.
ما حدث في الضليل ليس حادثاً عابراً بل مؤشر خطر على تآكل الحس الوطني لدى بعض النخب التي نسيت أن فلسطين ليست شعاراً انتخابياً بل معيار شرف سياسي، والثوابت الوطنية لا تُدار بالبيانات ولا تُرمم بقرارات داخلية متأخرة، بل تُصان بالموقف الجريء الذي يقول بوضوح: لا للتطبيع، لا لمصافحة القتلة، لا لتبرير حضور من يبارك إبادة أهل غزة على أرض الأردن.






