تُعتبر إنتاجية العمل من المؤشرات الاقتصادية الحيوية لارتباطها المباشر بالقدرة التنافسية والنمو الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة. وتعرف إنتاجية العمل بحجم الناتج الكلي لكل وحدة عمل (ساعات أو عدد عمال) خلال فترة زمنية معينة. وتساهم هذه المؤشرات في تقييم كفاءة رأس المال البشري وتطور الاقتصاد بمرور الوقت، مما يساعد صناع القرار في صياغة استراتيجيات تنموية مستدامة.
واقع الإنتاجية في الأردن:
أظهرت بيانات منظمة العمل الدولية تراجعاً ملحوظاً في إنتاجية العمل في الأردن خلال العقدين الماضيين، حيث انخفضت من 19.8 دولاراً لكل ساعة عمل عام 2005 إلى 17.9 دولاراً عام 2025، بمعدل نمو سنوي سالب قدره 0.5%. وفي المقابل، ارتفع المتوسط العالمي للإنتاجية من 15.1 دولاراً إلى 23.1 دولاراً خلال الفترة نفسها.
كما تراجع ترتيب الأردن عالمياً من المركز 77 عام 2005 إلى المركز 106 من أصل 184 دولة عام 2025، فيما جاء في المرتبة 13 عربياً من أصل 20 دولة.
مفارقة ساعات العمل الطويلة مقابل الإنتاجية المنخفضة:
يتميز الأردن بمتوسط مرتفع لساعات العمل الأسبوعية (48.8 ساعة)، مما يضعه في المرتبة الخامسة عالمياً بين الدول الأكثر عملاً. ومع ذلك، لا يقابله ارتفاع في الإنتاجية، مما يشير إلى ضعف كفاءة استخدام الوقت وقلة القيمة المضافة الناتجة عن الجهد المبذول.
تحليل الإنتاجية حسب الأنشطة الاقتصادية:
تتفاوت مستويات الإنتاجية بشكل كبير بين القطاعات الاقتصادية في الأردن:
· أعلى إنتاجية: قطاع المناجم والمحاجر (46.1 دينار/ساعة).
· أدنى إنتاجية: الإدارة العامة (3.6 دينار/ساعة)، والتجارة (7.6 دينار/ساعة).
ويلاحظ أن القطاعات ذات العمالة الكثيفة، مثل الإدارة العامة والتجارة، تسجل أدنى مستويات الإنتاجية رغم ارتفاع ساعات العمل فيها، مما يعكس ضعفاً في الكفاءة الإنتاجية وهيكلة الموارد البشرية.
العلاقة بين ساعات العمل والإنتاجية:
أظهر تحليل بيانات 83 دولة أن العلاقة بين عدد ساعات العمل والإنتاجية علاقة عكسية في الغالب، حيث تؤدي زيادة الساعات إلى انخفاض الإنتاجية لكل ساعة بسبب الإرهاق وضعف التركيز. وتشير الدراسات إلى أن تخفيض ساعات العمل قد يساهم في رفع الكفاءة والإنتاجية.
التوصيات:
يوصي منتدى الاستراتيجيات الأردني بما يلي:
1. رفع القيمة المضافة في الأنشطة الاقتصادية وتقليل الاعتماد على القطاعات التقليدية منخفضة الإنتاجية.
2. تحسين كفاءة القطاع العام عبر ضبط التوظيف وربطه بالأداء والمخرجات الفعلية.
3. إعادة تنظيم ساعات العمل لتعزيز الكفاءة والتحول نحو ثقافة مؤسسية قائمة على الأداء بدلاً من الحضور الزمني.
4. تطوير رأس المال البشري من خلال التدريب المستمر ورفع المهارات الرقمية والإدارية.
5. إجراء دراسات قطاعية متخصصة لتشخيص مواطن الخلل ووضع سياسات مستهدفة لرفع الإنتاجية.
ويشكل تدني الإنتاجية في الأردن تحدياً هيكلياً يتطلب تدخلاً استراتيجياً شاملاً لتحسين كفاءة سوق العمل ورفع القيمة المضافة، تماشياً مع التوجهات العالمية التي تربط بين جودة العمل والكفاءة الإنتاجية وليس مجرد طول ساعات العمل.
المصدر:
منتدى الاستراتيجيات الأردني (2025)، "مستويات الإنتاجية في الأردن: مفارقات بين الواقع والمأمول"، عمان، الأردن.






