تشهد المملكة المغربية منذ أيام اضطرابات سياسية يتخللها بعض العنف، وهو ما فتح الباب امام تحليلات لمآلات هذه الاضطرابات ، وهو ما يستوجب –في تقديري- التوقف عند مؤشرات موضوعية موثقة لطبيعة الوضع في هذه الدولة العربية.
1- المؤشرات الكمية للبنية المغربية:
لنعتمد على اربعة مؤشرات (ولكل منها مؤشرات فرعية لا يتسع المقام لعرضها )، ثم نحدد كل مؤشر وترتيب المغرب عالميا في هذا المؤشر بين 167 دولة وهي التي تجري اغلب القياسات عليها (هناك 26 دولة تعد هامشية مثل ناورو عدد سكانها 11 الف نسمة أو توفالو او بالاو... الخ من الدول المتناهية الصغر التي لا توليها نماذج القياس عناية ) :
أ- معدل الاستقرار السياسي خلال الفترة من 1999(تولي محمد السادس سلطاته الملكية) الى نهاية 2024 هو بالسالب 0.39( اقصى درجات عدم الاستقرار هي – 2.5)، وهو ما يضع المغرب عالميا في مقياس الاستقرار في المرتبة 138، وهي مرتبة متأخرة للغاية ، لكن الاسوأ ان الاتجاه لهذه النسبة (Trend) هو في تزايد منذ عام 2000، وهو الاخطر .
ب- معدل الديمقراطية ، تنطوي البنية للنظام السياسي على شكليات الديمقراطية(احزاب وانتخابات..الخ)، لكن مظاهر الدمقرطة مثل التعددية وحرية الممارسة السياسية والحريات المدنية وتوجهات الثقافة السياسية السائدة تشير الى ان المغرب تتجه نحو تراجعٍ أوصلها الى معدل ديمقراطة 3.9(من عشرة) لتحتل المرتبة 109 دوليا.
ت- عدالة توزيع الثروة(Gini Index)، (هذا المؤشر عالميا يتراوح مداه عالميا بين اعلى دولة في سوء توزيع الثروة وهي جنوب افريقيا بمعدل 61.41 وبين افضل دولة وهي سلوفاكيا 24.2)، فإذا تتبعنا الوضع في المغرب فان المؤشر المغربي هو 49.43، وهو ما يضعها في المرتبة عالميا ال 143.
ث- الانفاق العسكري: رغم ان معدل الانفاق العسكري الى اجمالي الناتج المحلي عالميا هو 2.4% ،فان الانفاق المغربي يصل الى 3.6%، وهو ما يضعها في المرتبة الثانية في القارة الافريقية، وال 22 عالميا من حيث مؤشر العسكرة(Militarization index)، وبالطبع زيادة الانفاق العسكري يكون على حساب معدل دخل الفرد من ناحية وعلى حساب عدالة توزيع الدخل القومي على فروع موازنة الدولة الاخرى(الصحة والتعليم و..الخ) من ناحية اخرى، ثم على حساب وزن المؤسسة العسكرية في القرار السياسي من ناحية ثالثة.
ماذا يعني ذلك؟
لو قسمنا العالم الى اربع فئات هي عالية الجودة –جيدة الجودة –متوسطة الجودة- متدنية الجودة ،فان المغرب تقع في المرتبة 130 عالميا، فهي بهذا التصنيف تقع في خانة الدول متدنية الجودة ، وهو ما يعني ان الاضطرابات لم تكن من فراغ .
2- المؤشر الكمي / الكيفي:
وهنا سنتناول بعدين هما :
أ- ظاهرة الأنظمة الملكية:
تصنف الدراسات السياسية النظم الملكية الى صنفين هما النظم الملكية المطلقة(حيث تختفي الانتخابات والاحزاب والقيود على الحاكم...الخ ) والنظم الملكية الدستورية التي تميل الى جعل الملك اقرب للرمزية السلطوية (على غرار أغلب الملكيات الاوروبية )، ويصل مجموع الدول الملكية الى 43 نظاما ملكيا( حتى عام 2024)، لكن رصد الاتجاه الاعظم(Mega trend ) يشير الى تراجع عدد هذه النظم( مثلا اوروبا بين 1914 و 2015، اي خلال قرن تراجع العدد من 22 الى 12)، فإذا ترافق الاتجاه الاعظم مع تردي المكانة الدولية لنظام ملكي فان الاتجاه الاعظم سيجد ما يعززه.
ب- الدراسات القائمة على المعاينة الميدانية لممارسة السلطة: ولتقديم صورة عن سلوك رأس النظام في المغرب نشير الى ما تضمنه كتاب في غاية الاهمية لانه يقوم على قدر من المعايشة بين الكاتب وموضوعه، إنه كتاب " الملك المفترس" Le roi pre'dateur الذي ألفه أريك لوران الذي سبق له أن كتب مذكرات الملك الحسن الثاني(والد الملك الحالي) وعايش الاسرة المغربية الحاكمة فترة طويلة ، ومع الكاتب مؤلفة اخرى هي السيدة كاترين غراسيي الكاتبة في الصحيفة الاسبوعية لوجورنال والتي سبق لها أن وضعت كتاب(حاكمة قرطاج) gouverneur de Carthage الخاص بزوجة الرئيس التونسي المخلوع بن علي...
.يتناول كتاب الملك المفترس- وهو مترجم للعربية وموجود على صفحات شبكة الانترنت- حياة ملك المغرب الحالي محمد السادس منذ توليه العرش عام 1999 وحتى عام 2012(أي معاينة ل 13 سنة)، ويستعرض في حوالي 171 صفحة حياة الملك مستندا لمشاهدات المؤلفين وشهادات حوالي اربعين شخصية مغربية من الداخل والخارج، ومنهم من ينتمي لحاشية الملك وآخرون ممن يُعدون من الخبراء والسياسيين.
ولعل عناوين الكتاب تشي بمضامينه ، فالفصل الاول عنوانه "ملك من ذهب" يتحدث فيه عن ثروة الملك والتي جعلته يحتل المرتبة السابعة عالميا في بلد فيه 18,1% من السكان يصنفون في خانة الفقر المدقع (حسب البنك الدولي) ، علما أنه اعلن نفسه "ملكا للفقراء"( صفحة 10) ، لكن الاطلاع على راتبه يكشف أنه يساوي ضعف راتب الرئيس الامريكي والرئيس الفرنسي(صفحة 14) وله 12 قصرا و 30 مقر اقامة يعمل فيها 1200 موظفا ينفقون حوالي مليون دولار يوميا، وينفق ثلاثة ملايين دولار سنويا ثمنا لملابسه، وقيمة نفقات القصر تعادل ميزانية اربع وزارات( صفحة 22).
ويستغرق الحديث عن الملك الحسن الثاني جزءا غير قليل من الكتاب(حتى صفحة 38)، ويتناول الكتاب الكيفية التي تم فيها التخلص من رجال الأب( الحسن الثاني) وبخاصة إدريس البصري(وزير داخلية الحسن الثاني القوي)، ويكشف الكتاب –طبقا لرواية المؤلف- الإحن بين رجال القصر وأحابيلهم المتبادلة(الصفحات 46-49)..وعلاقات الملك مع رجال الخليج(صفحة 49-50)،كما يتناول الكتاب الصراع مع القاعدة والتنظيمات السلفية (حتى صفحة 60).
ويتابع الكاتب رصد العلاقات الفرنسية المغربية ودور الشركات والعلاقات المريبة وأدوار الشخصيات في نسج هذه العلاقات وتوترها أحيانا(حتى صفحة 73)، ويفرد الكاتب فصلا لشخصية محورية هي خالد الودغيري (رجل مصرفي) وكيف لعب ادوارا في دمج بنوك معينة بل وتنقله بين مناصب عليا من بنوك المغرب إلى بنوك السعودية ليعود بعدها لفرنسا لينتهي بحكم قضائي "غيابي " لمدة 15 سنة( حتى صفحة 88)، لتبدا قصة رجل آخر هو انس الصفريوي وهو كما يصفه الكاتب ثاني اغنياء المغرب بعد الملك( صفحة 90) ومن أكبر العاملين في قطاع العقارات. ثم يستعرض الكتاب توظيف شركات الدولة لدعم شركات الملك.
ويستعرض الكاتب السلوكيات الفردية للملك مع موظفيه، وننقل مثالا على ذلك مما ورد في الكتاب كيف قام الملك الحالي بطرح أحد المسؤولين واسمه منير المجيدي على الارض أثناء مناقشة حول وضع شركة "أونا"، وبدا بضربه ، وكيف ضرب وبصق على احد المستشارين(محمد المعتصم) خلال اجتماع رسمي مما دفع الرجل لمحاولة الانتحار بتناول مواد صيدلية والقاء نفسه في مسبح المنزل إلا ان البستاني تمكن من انقاذه( الصفحات 108-109)، وبعد عرض الفساد في الدولة خلال فترات مختلفة ، يسرد الكتاب قصصا منها بالأسماء والقصص المثيرة (حتى صفحة 130) ويكتمل الكتاب بعرض العلاقات الفرنسية المغربية من خلال نفس المنهج السابق( وقد اسهب في شرح موضوع القطار السريع ومشروعات الملك في نطاق الطاقة..الخ).
هل يكفي الجمع بين المؤشرات الكمية والكيفية كأساس لفهم ما يجري في المغرب ؟ ربما.






