اخبار البلد
إقرار قانون الانتخاب من قبل مجلس النواب هي الخطوة الأهم حتى ننطلق للمرحلة القادمة وهي الانتخابات النيابية، يأتي ذلك وسط حالة من الترقب الشديد، فالجميع يدرك أن النواب أمام لحظة تاريخية، فهم سيرسمون شكل الأردن السياسي للمرحلة المقبلة، والقانون بات عهدة بين أيديهم، ويبدو أن التوجه العام لدى عدد من دوائر صنع القرار قد استقر على أن صيغة قانون الانتخاب ستأتي على شكل (1+1) أي صوت للدائرة وصوت لقائمة الوطن.
هذا التوجه سيواجه العديد من الانتقادات من قبل القوى المعترضة، في حين أنه يتوافق مع ما يريده غالبية الأردنيين بحسب أكثر من استطلاع، ولكن السؤال هو هل يستطيع مثل هذا القانون العبور بالأردن نحو المرحلة التالية، وهل يؤسس لحالة سياسية جديدة أم أنه يخرج المؤسسة الرسمية من مخاض ما سمي جزافاً بالربيع العربي بأقل الخسائر الممكنة، كما يرى من يقومون على هذه المؤسسة، وبالتالي يمكن تعديل الصيغة الانتخابية بعد أن يهدأ الوضع العام.
وبالإضافة إلى موضوع عدد الأصوات التي يحق للمواطن منحها يظهر موضوع آخر لا يقل أهمية وهو تقسيم الدوائر الانتخابية، فالتقسيم المقترح حيث يعتمد مبدأ الدائرة/المحافظة، تقسيم سيثير العديد من الإشكاليات، وأرى أن العودة إلى التقسيم على أساس الألوية هو الأفضل بهذه الحالة، فالمطلوب أن يكون مجلس النواب أكثر تمثيلاً للناخبين (مناطقياً) وبمجموع أصوات الناخبين التي حصل عليها النواب تحت القبة، وهو ما يكسب المجلس النيابي القادم شرعية يحتاجها.
فالمطلوب من مجلس النواب حين دراسته ومناقشته لمشروع قانون الأحزاب أن يخرج من إطار الحسابات الضيقة والشخصية، وأن يكون على قدر هذا الحمل، وأن يتذكر السادة النواب أنهم يصنعون التاريخ ويرسمون المستقبل، وسيذكرهم كثيرون أنهم من أقروا حزمة القوانين الإصلاحية بداية من التعديلات الدستورية التاريخية حتى قانون الانتخاب.
وعلى الجهة الأخرى أظهرت الأسماء التي شكلت الهيئة المستقلة للإشراف والمراقبة على الانتخابات وجود إرادة سياسية جادة لدى صانع القرار بضرورة إجراء انتخابات نزيهة، وهو ما يبدو أنه استقر كقناعة راسخة، وبالتالي لن يتم السماح بأي خطأ بسيط يؤثر في معيار النزاهة، ففقدان ثقة العامة بالانتخابات وجدواها في إفراز ممثلين حقيقيين عنهم في المجلس النيابي يساعد على تكوين شعور متنامٍ باستبعادهم عن آليات اتخاذ القرار أو مراقبته، وهو ما يجعلهم يأخذون دور الضحية في اللعبة السياسية.
والسؤال هو كيف سيتعامل الإسلاميون مع هذه الحقائق، خصوصاً وأن نائب المراقب العام زكي بني إرشيد كان قد أدلى بتصريحات سابقة توضح أن التوجه العام لدى الجبهة وحركة الإخوان المسلمين يأخذ منحى مقاطعة الانتخابات النيابية القادمة إذا كان قانون الانتخاب يشابه ما تم تسريبه إعلامياً.
محاولة الإبقاء على النبرة العالية والحدة المفترضة في خطاب الإسلاميين لا تخفي القرار المتشكل لدى القيادات بالعودة إلى مسار الانتخابات، لا بل تبدو الأمور للمطلع على الحركة الإسلامية من داخلها تأخذ بعض المنحنيات الصعبة، فالقيادات تريد المشاركة وتبحث عن سبل تساعد على تغيير مزاج (القواعد) التي أصبحت أسيرة للخطاب الرافض.
الإشكالية هي أن طموحات الإسلاميين ما يزال يغطيها الوهم القائل بقدرتهم على حصد غالبية مقاعد مجلس النواب أو ما يقارب 40% من تلك المقاعد، كحد أدنى، في الوقت الذي يبدو أنهم لن يتجاوزوا، في حال إجراء الانتخابات نسبة 25% من مقاعد مجلس النواب القادم، والبعض يرى أنهم سيحصلون على نسبة أقل.
الحقيقة هي أن عدم مشاركة الإسلاميين في الانتخابات لن يشكل طعناً في شرعيتها، على عكس ما كان يمكن أن يحدث في مرات سابقة، وإفراز نواب يمثلون الناخبين دون تدخلات حكومية، وحصول التأكيد الشعبي على تعامل الحكومة النزيه كافٍ كي يعطي الصدقية الضرورية للانتخابات بعيداً عن حضور الإسلاميين، وهو ما يجعل هذه المرحلة الأخطر في تاريخ الحركة الإسلامية، وهي بين خيارات أحلاها مر.