تستمر الإدارة الأميركية باتباع نهج الترهيب والترغيب في التعاطي مع إيران، فمن جهة تنهال عليها بالعقوبات المؤلمة وتتوعّدها بـ"الإفلاس"، كما جاء على لسان وزير الخزانة سكوت بيسنت، مع التلويح بعمل عسكري قد يطال منشآتها النووية، ومن جهة يمدّ الرئيس دونالد ترامب يد الصلح للمرشد الأعلى علي خامنئي، متحدّثاً عن رسالة وجّهها إليه فضّل فيها "إبرام اتفاق" على الخيار الآخر.
إيران بدورها، المعروفة تاريخياً بسياسة "حياكة السجاد" التي تدلّ على البرودة والنفس الطويل في التعاطي مع الملفّات الإشكالية إلى حدّ الوصول إلى "حافة الهاوية"، لم تتأخر في الرد على ترامب الذي تعتبره عدوّها الأول ولا تثق به منذ انسحب من الاتفاق النووي عام 2018 وفرض عليها سياسة "الضغوط القصوى" لإخضاعها. وجاء الجواب على لسان خامنئي نفسه الذي قال إنّ بلاده لن تدخل في مفاوضات تحت ضغط "البلطجة".
لكن خامنئي الذي كان يتحدّث خلال اجتماع مع مسؤولين إيرانيين كبار لم يحدّد ما إن كان العرض الذي تقدّمت به واشنطن لبدء المفاوضات، ويهدف إلى "فرض رغباتها"، وصل إلى طهران من خلال الروس الذين أعلنوا موافقتهم في وقت سابق على طرح أميركي بالدخول على خط الوساطة بين الجانبين، أم ممّا سمعوه على لسان ترامب في مقابلته مع قناة "فوكس بيزنس" التي كشف فيها عن الرسالة، أم من الرسالة نفسها التي باتت موضع تشكيك أصلاً بعد نفي مسؤولين إيرانيين علمهم بوجودها.
ويجزم مصدر ديبلوماسي إيراني، في اتصال مع "النهار"، بأنّ "طهران لم تتسلّم حتى اللحظة رسالة من ترامب"، مضيفاً: "ربما يرغب الرئيس الأميركي في ذلك، لكن ذلك لم يحصل ولا ندري سبب تصريحاته هذه".
وفي السياق نفسه، يتساءل مدير المركز العربي للدراسات الإيرانية د. محمد صالح صدقيان، في حديث لـ"النهار"، عن الطريقة التي أرسل بها ترامب الرسالة. ويشرح: "هناك سياقات محددة في مثل هذه الخطوة، ورسالة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما إلى خامنئي كانت فاتحة التوقيع على الاتفاق النووي الذي أبرم عام 2015، وقد حملها في ذلك الوقت سلطان عمان قابوس بن سعيد إلى المرشد".
ويضيف صدقيان: "ترامب أوجد حاجزاً من عدم الثقة منذ أن انسحب من الاتفاق، وفتح باب الحوار يحتاج إلى إعادة بناء وتعزيز هذه الثقة لدى الإيرانيين وتحديداً لدى خامنئي"، وبناءً على ذلك "يجب إرسال هذه الرسالة بسياقاتها الطبيعية التي تليق بالمرشد ولا يمكنه أن يعامل الإيرانيين كما يتعامل مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي".
ويوضح صدقيان ثلاث نقاط يجب أن تُبنى المفاوضات عليها: "أن تكون على أساس رابح رابح، والاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة"، وإذا تحقّق ذلك "يمكن أن يكون هناك ضوء في آخر النفق". ويكشف أنّ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف "أبلغ الإيرانيين برغبة الأميركيين في التفاوض، إلا أنّه سمع بشكل واضح أنّ ذلك غير ممكن تحت ظلّ السيف".
بدوره، يعتبر الأكاديمي والمحاضر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن د. حسن منيمنة، في حديث لـ"النهار"، أنّه "لا يمكن التكهّن بما فعل ترامب أو ما ينوي أو يتمنّى فعله" وعليه أن "يُشهر الرسالة التي لا يبدو أنّه أرسلها"، ويضيف: "ربما تكون لديه نيّة للتفاوض مع إيران لكن من موقع القوّة والسقف العالي".
ويلفت منيمنة إلى اختيار ترامب للصقور في إدارته، الذين ينظرون إلى النظام الإيراني على أنّه "مراوغ ومخادع وكاذب ولا بدّ من تقزيمه وتفكيك برنامجه النووي"، ويتساءل: "كيف سيحدث ذلك وطهران غير موافقة؟".
وبناءً على ذلك، لا يرى منيمنة أيّ رغبة أميركية في الحوار مع إيران، فترامب يعتبر أنّ "قرار التضييق على إيران هو تصحيح لخطأ الرئيس السابق جو بايدن" الذي تساهل بشأن العقوبات، ولهذا "سيلجأ إلى تشديدها وصولاً إلى تصفير الصادرات بهدف إفلاس إيران".
يبدو أنّ الأجواء لم تنضج بعد لفتح باب المفاوضات المباشرة بين واشنطن وطهران. وفي حين تتجه بعض الآراء إلى اعتبار أنّ أميركا غير مستعدة لفتح مواجهة عسكرية مع إيران وإشعال الشرق الأوسط مجدداً، يشير آخرون إلى إعلان إسرائيل 2025 عام الحرب على إيران، ويرون أنّ الاشتعال قائم أصلاً، وترامب يلقي الحجّة ويناور قبل التوجّه الحتمي إلى خيار توجيه ضربة باتت أقرب إلى الواقع، لكن لم يتم تحديد حجمها بعد.