قبل ايام كتب المهندس عامر عبد الوهاب المجالي ردا رقيقا ولكنه دقيقا ، منطقيا وواقعيا من باب الخبرة التي يحملها في مجال العمل العام، في مجال عمل ادارة شركة الفوسفات، حيث عمل رئيسا لمجلس الإدارة... على تصريحات - كانت ستمر- على لسان رئيس مجلس إدارة شركة الفوسفات الدكتور محمد الذنيبات والتي اطلقها من برنامج نيران صديقة على قناة "عمان TV".
المجالي كان بإمكانه ان يلتزم الصمت والسكوت، مثل الكثير من الناس الذين يؤمنون بالسلام النفسي وعدم الدخول في اشتباك جانبي او احتكاك، من باب ان ذلك يسبب وجع وصداع للرأس .. ولكن المهندس المجالي لم يرد أن يبق في دائرة الحياد والمنطقة الرمادية ملتزما الصمت كطقس له، لذلك أبى ورفض رفضا قاطعا ان يكون ساكتا عن قول كلمة الحق التي يجب ان تقال مهما كان ثمنها لانها بمرتبة الجهاد..
والمهندس المجالي طالما تعرض وعلى مدار سنوات من اكثر من طرف واكثر من جهة الى تجريح واساءة وأحيانا هجوما منظما، لكنه كان يتصدى لتلك السهام الطائشة المسمومة بصبر عارم غير مكترث بما يتم الحديث عنه لإيمانه بأن الجميع يعلم الحقيقة، وأنه يرفض دوما شخصنة المشكلة.. ولكن عندما وجد أن الدكتور الذنيبات يطل على الشعب الاردني وهو يتحدث عن قضايا لم يكن هو موجودا حينها، ويقدم معلومات غير دقيقة وتتناقض مع المنطق والارقام والبيانات والدراسات والخبرات كان المجالي يعي تماما ان ما يتم الحديث به أوعنه لا ينسجم مطلقا مع الواقع والمنطق والارقام، لذلك قدم المجالي مقالا راقيا مهذبا نقيا تقيا محترما رقيقا وضع الرأي العام في صورة تلك التصريحات مفندا الكثير منها وداحضا ما تبقى وموضحا ومضيفا ومؤكدا الكثير ضمن الوصايا العشر التي قدمها للرأي العام وللتاريخ وللضمير ولكل العاملين في هذه الشركة العظيمة التي يحاول البعض ان يختصرها بشخص واحد "السوبرمان" المخلص والمنقذ القادم على فرس ابيض محملا بالاسمدة والحامض والكبريت والفوسفوريك وهنا نقوم بإعادة نشر رد المهندس عامر المجالي الذي حمل عنوان " زرعوا فأكلنا ونزرع فيأكلون"..
"نص المقال"
(عبر مسيرتي الطويلة في العمل العام، آليت على نفسي أن لا اردٌ على أحد، وأن أترك للإنجاز ان يتحدث عن نفسه، احتراما للمؤسسية ولأنني لطالما اعتبرت ان الخدمة في اي مجال هي خدمة ممتدة، ولا ينبغي للخلف ان يسيء الى السلف أو ينتقص من إنجازات من سبقوه.
ولكن، بعد متابعتي لحلقة "نيران صديقة" التي استضاف فيها الصديق الإعلامي د. هاني البدري رئيس مجلس ادارة شركة مناجم الفوسفات الاردنية معالي د. محمد الذنيبات، فقد ارتأيت توضيح بعض النقاط جلاء للحقيقة امام الرأي العام..
أولا ادعى الزميل العزيز معالي د. محمد الذنيبات ان الشركة كانت ستصفى عندما طلب منه ان يتولى مجلس إدارتها، وهذا امر يخرج عن المنطق، فكيف يمكن لشركة عملاقة تمتلك حق امتياز حصري لتعدين كنز الاردن "الفوسفات" وتحقق ارباحا منذ اكثر من سبعين عاما ولديها موجودات واصول بقيمة تتجاوز المليارين، كيف يمكن لها ان تصفى؟ ...
ففي الفترة التي سبقت رئاسة معالي الدكتور الذنيبات حققت الشركة ارباحا باستثناء عام 2016 حيث تعرضت فيه لخسارة بسبب تراجع الاسعار عالميا
ثانيا: ادعى الزميل الذنيبات انه رشًق الشركة ( اي خفف من الموظفين فيها)، في حين ان هذه العملية الادارية بدأت قبل مجيئه للشركة، حيث تأسست أنظمة حديثة لنهاية الخدمة في عهد الادارة التي كنت أرأسها مستندة لدراسات اكتوارية وهيكلية اعدتها شركات عالمية ومحلية ومستشارين وخبراء، وبناء عليها تم اعتماد نظام جديد لنهاية الخدمة يسمى صندوق الوفاة والتعويض، يشمل تحليلا دقيقا لمهارات ومؤهلات العاملين واعدادهم وتخصصاتهم ورواتبهم ومكافآتهم وسنوات خدمتهم وتقاعدهم، وبناء على ذلك كله وضع نظام عادل لترشيق الشركة والاستغناء بالتراضي عن الموظفين الذين لا حاجة لهم ، وبدأ تطبيق النظام في عهد الادارة التي كنت ارئسها في سنة 2015، والتي تم إنهاء خدمات اكثر من 1000 موظفا بالتراضي، فيما وقع البقية على أوراق لتقديم استقالاتهم بانتهاء مدة خدمتهم ولم يكن على الادارة التي تلتنا الا تطبيق النظام دون عناء.
ثالثا: أغفل الزميل حقيقة ان الحكومة في حينها ضيقت واغلقت واوقفت في وجه مجلس الإدارة السابقة للشركة رخص التعدين التي اوقفت تجديدها مطلقا، بينما فتحتها في عهد المجلس الذي ترأسه الزميل الذنيبات ، ما كان له الأثر في إضاعة فرص مالية كبيرة على الشركة كان يمكن ان تترجم الى ارباح كبرى.
رابعا: اغفل الزميل الدكتور الذنيبات ذكر أي دور وفر مالي لمجلس الادارة السابق في تحقيق جراء كسر احتكار إحدى الشركات لأعمال التعدين والمقاولات الخاصة بالشركة وتأهيل ائتلافات محلية كمقاولين فرعيين سرعان وبفعل الخبرة التي اكتسبوها اصبحوا يقومون بدورالمقاول الرئيس ما نجم عنه توفير في كلف التعدين تصل حوالي 40% .
خامسا: أغفل الزميل ذكر زيادة الطلب العالمي على الفوسفات والاسمدة والحامض بعد حرب اوكرانيا وبعد فرض الولايات المتحدة الامريكية رسوما عاليا على المغرب (اكبر دولة مصدرة للفوسفات)، الامر الذي استفادت منه شركة مناجم الفوسفات الاردنية وتسبب في ارتفاعات فلكية في أسعار الخام ومشتقاته والاسمدة والحامض محققا ارباحا طائلة غير مسبوقة والتي جاءت لهذا السبب بشكل اساس.
سادسا: عند سرد الزميل لقصة بيع حصة بروناي للهنود ( البالغة 37%) قال ان الضمان الاجتماعي رفض شراء الحصة، ولكنه أغفل حقيقة ان شركة متسوبيشي اليابانية العملاقة وهي شريك للفوسفات في شركة الاسمدة اليابانية، وتعد من اكبر الحلفاء الاستراتيجيين في العالم عرضت شراء هذه الحصة وتم تجاهلها، بمعنى ان الهنود لم يكونوا المتقدمين الوحيدين المنافس لشراء تلك الأسهم ويوجد كتب رسمية تثبت وتؤكد حقيقة ورغبة الشركة لشراء تلك الاسهم المعروضة .
سابعا: أغفل الزميل ان الهنود الذين استولوا على حصة بروناي هم المشتري الرئيس في الهند من شركة مناجم الفوسفات الاردنية لمنتجاتها من فوسفات واسمدة، وهذا تضارب في المصالح بكل المعايير الدولية. كما أغفل ان وجود الهنود في مجلس الإدارة وفي لجان هامة وقدرتهم على الاطلاع على كلف الإنتاج والتسعير وعقود البيع والشراء للاخرين هي مسألة تضارب مصالح واضحة لأنهم المشتري الرئيس منذ عقود.
ثامنا: ذكر الزميل الدكتور الذنيبات عند حديثه في اللقاء التلفزيوني عن المسؤولية المجتمعية للشركة متحدثا عن تبرعات الشركة ودعمها للمجتمع المحلي وهذا امر جيد وعظيم ولكنه اغفل المسؤولية التاريخية للشركة في توظيف ابناء المنطقة وتأهيلهم وتدريبهم وصقل خبراتهم وهولاء هم الذين قامت الشركة على اكتافهم ونجاحاتها كانت بعرق جبينهم ولولا ادائهم وعملهم وصبرهم لما تحقق شيا من اي انجاز ولكن وللأسف تم الغاء الرواتب الاضافية من الثالث عشر الى السادس عشر وتم شن حربا على التامين الصحي للمتقاعدين والغاء العديد من الامتيازات للموظفين الجدد والمكتسبات التي انحصرت لمجلس الادارة وكبار موظفي الادارة التنفيذية
تاسعا: عند حديث الزميل عن وجود فساد ومحسوبيات في عمل الإدارات السابقة كان يفترض به ان يحدد الإدارة التي مارست هذه الممارسات غير القانونية، لا أن يشمل الجميع بأحكامه، لأن هذا مخالف للواقع ومجاف للعدالة، وفي ظلم لبعض الإدارات التي طبقت معايير الحوكمة والشفافية والنزاهة ولم تمارس هذه الممارسات، وكم كنت اتمنى بدلا من مهاجمة الادارات السابقة استغلال واستثمار الوقت في تحصيل احكام مالية عالية للشركة لم يحاول تحصيلها
عاشرا: فات الزميل ان يذكر ان الادارة السابقة قد عملت على اعادة قرار الشركة وطنيا حين أقنعت رئيس الحكومة آنذاك بتأسيس شركة ادارة المساهمات الحكومية وتسجيل اسهم الحكومة في الفوسفات باسمها ليتسنى لها التصويت في انتخابات مجلس الادارة لانتخاب الرئيس والاعضاء المستقلين متجاوزة العقبة الكأداء في المادة 135 / أ/1 من قانون الشركات والتي كانت تحرم الحكومة والمؤسسات الرسمية العامة من التصويت، وفاته ان يذكر انه حين تسلم رئاسة مجلس الادارة تم تعديل نص المادة المذكورة في عهده ودونما اي اعتراض منه لدى الحكومة او تحذير من خطورة التعديل امام مجلس الأمة، لينص صراحة على حرمان حتى الشركات الحكومية ومؤسسة الضمان الاجتماعي من التصويت في انتخابات مجلس الادارة مضحيا بالجهد الذي بذله من سبقوه لإعادة القرار وطنيا، وملقيا بالقرار مجددا في حضن الأجنبي. وتشير مصادر لا أستطيع نفيها أو تأكيدها الى ان هذا التعديل لنص المادة 135/ أ/ 1 من قانون الشركات كان مطلبا للهنود ليشتروا أسهم بروناي.
في ضوء ما تقدم، فإننا لا ننكر أن للإدارة الحالية إنجازات هامة في مسائل من مثل فتح المنافسة في التعدين، وكان السبب وجود بنية تحتية مهنية وضعتها الادارات السابقة، ولا ننكر ان دورة الاقتصاد العالمية خدمته وان استفادة الشركة كانت حتمية في ظل اي إدارة مهنية.
ولكن، وفي الوقت ذاته، فإن العمل المؤسسي عمل متصل وإنجازات الخلف تبنى على إنجازات السلف، فنحن نزرع ليأكلوا ونأكل مما يزرعون.
وقبل ان اختم مقالي هذا اقول من لا يشكر الناس لا يشكر الله وهو واجب وطني وضمير اخلاقي ومهني فاني اقدم كل الشكر والامتنان والعرفان لاعضاء مجلس الادارة السابق الذي عملنا معا كفريق مؤسسي واجهه التحديات واجتهد في تذليها والانتصار على اعداء النجاح الظاهرين والمخفيين كما انه لا يفوتني ان اكرر جزيل الشكر للجنود البواسل من عمال هذه الشركة في مختلف مواقعها واقسامها ودوائرها ومناجمها فردا فردا على ما بذلوه من جهد ومشقة حتى وصلت الشركة لان تصبح الشركة العملاقة والتي لا يمكن لاحد ان يدعي عكس ذلك، واخيرا فانني سأفشي سرا للمرة الأولى حرصا على الصالح العام، واللبيب بالإشارة يفهم:
حين كنت رئيسا لمجلس الادارة عرضت عليٌ إحدى الشركات المشترية مبلغ 3 دولارات عمولة على سعر طن الفوسفات، وادًعوا ( صدقا او كذبا) أنهم انتهجوا ذلك مع كل رئيس مجلس إدارة، ولكنني رفضت وطلبت زيادة هذا المبلغ على سعر الشراء لتستفيد منه شركة مناجم الفوسفات الاردنية، وقيمة هذه العمولة تصل الى ملايين الدولارات عند تكرار العقود السنوية على مدار سنوات عمل رئيس مجلس الإدارة.
والله من وراء القصد)