عندما وقع الملك المعتمد بن عباد أسيراً في قبضة يوسف بن تاشفين، ذاق الأمرين بحبسه في مدينة أغمات المغربية. ولما ضاقت عليه الحال؛ قالت له زوجته المدللة: والله ما رأيت معك سروراً قط؛ فتبسم ونظر في عينيها اللوزيتين بحسرة دامعة وهمس، ولا حتى يوم اللوز.
بن عباد وهو أحد ملوك الطوائف في أندلسنا الغابرة تزوج فتاةً من الشمال حيث الجبال العالية المعممة بالثلج، ولأنه أحبّها حباً جماً، فلم يرد لها طلباً، ولم يعص لها أمراً، فعندما طلبت منه أن يجلب لها الثلج حول ربوع قصرها ارتبك كثيراً؛ فبلاده دافئة لا يأتيها الثلج إلا نادراً، فعمد إلى زراعة الأراضي الشاسعة حول القصر بأشجار اللوز حتى تغدو بياضة واحدة عندما ينوّر قائلا لها، دونك يا حبيبتي كل هذا الثلج لك.
دعونا من الزوجات اللواتي يتناسين فضائل الأزواج وخيراتهم، فيطمرن الحسنات، ويشعن السيئات، مع أول زوبعة في فنجان تحدث بينهم، ودعكم من العيون اللوزية أيضاً، فالرجال كذلك في أغلب أجناسهم، ينسون أيضاً شكل عيون زوجاتهم وألوانها بعد أقل من بضع سنوات زواج، ولنبق مع شجر اللوز حين يغرد خارج سرب السكون والمطر والبرد، فيشب بنواره الأبيض كنجوم الصبح. اللوز جريء كرجل يصرح بجهله بلون عين زوجته بعد أن كان مفتونا بهما.
اللوز شموخ طموح يغافل جبهات الشتاء ويخاتل خيوط شمس شباط المتساقطة من فروج الغيم؛ فيطرح نواره المتلألئ ليندغم مع خيالاتنا وكأنه ندف ثلج هابطة للتو من قطن السماء، لكنه وللأسف ما أسرع ما يتساقط النوار بعد أن يعقد ثمرا صغيرا فتذروه الرياح في الأرجاء وتنساه الناس كما تنسى العيون اللوزية.
حين ينور اللوز قبل الأشجار جميعها، نشعر بأنه يتعجل ثماره لاهثا وراء عطاء قريب يمنحه لنا. أو كأنه يعلن شيبه قبل شبابه. ولربما أنه يحمل كفنه في بذرة ميلاده. ومع هذا وذاك يمنح بعد ايام ثمراً طيباً يجعلنا نتذكر بقرف أولئك الذين لا نوار عندهم إلا ملح الكذب. نتذكرهم وقد خدعونا بوعود بارت على قارعة الصبر دون جدوى الثمر.
بعيداً عن هؤلاء المتفذلكين الكاذبين سيظل اللوز أجرأ الشجر وأجمله، يقتحم الشتاء بعناد دون خوف، ويعلن أهزوجة الربيع الأولى. فمرحى له ولثلجه، وتباً للكذب ونوّار ملحه.