أخبار البلد - "مدينة بكين العسكرية" كما يُطلق عليها محللو الاستخبارات الأميركية هي عبارة عن مركز قيادة عسكري أكبر بعشر مرات من البنتاغون (مبنى وزارة الدفاع الأميركية على مساحة 600 ألف متر مربع)، وتصنف المدينة أكبر قاعدة عسكرية في العالم، حيث انفقت الصين على تأسيسها خلال العقد الأخير ما لا يقل عن 50 مليار دولار، وفق تقديرات فاينناشيال تاميز، فما هي أهداف بكين من هذا الإنفاق العسكري الضخم، هل تسعى للسيطرة على المحيط الهادي لحماية الممرات البحرية، أم تستعد لغزو تايوان، أم تتأهب لحماية قادتها إذا اندلعت حرب نووية مستقبلاً، أم تسعى لتكون القوة العظمى في العالم وإزاحة الولايات المتحدة من المشهد؟.
ما هي مدينة بكين العسكرية؟
كشفت صور الأقمار الصناعية التي تفحصها الاستخبارات الأميركية، أن المدينة على مساحة 1500 فدان تقريباً على بعد 30 كيلومتراً من العاصمة في الجنوب الغربي، وتضم حفر عميقة يقدر خبراء عسكريون أنها تشمل مخابئ كبيرة ومحصنة لحماية القادة العسكريين الصينيين خلال أي صراع ـ بما في ذلك أي حرب نووية محتملة.
وصرّح المهندس العسكري الصيني تشيان تشي هو لشبكة CCTV في مقابلة أجريت معه في أغسطس/آب 2022 "إن بلادنا تتبنى استراتيجية دفاعية نشطة. وبما أننا لا نطلق الرصاصة الأولى، فنحن بحاجة إلى حماية أنفسنا من الهجوم الأول لعدونا، وبعد ذلك يمكننا الرد".
وأضاف تشيان "إن أسلحتنا الاستراتيجية لابد وأن تحظى بالحماية الكاملة. ولابد وأن نكون قادرين على حماية أنفسنا من أي هجوم من جانب العدو، بما في ذلك الضربات النووية". وأضاف "مع استمرار تطور وسائل الهجوم التي يستخدمها العدو، لابد وأن تتطور أساليب دفاعنا أيضاً. ولا ينبغي لنا أن نعتمد على أسلوب دفاع واحد".
وما يؤكد تحركات بكين العسكرية هو أنه في عام 2017، ذكرت قناة الصين المركزية التلفزيونية أن مقر قيادة جيش التحرير الشعبي في شيشان في جنوب غرب بكين يقع على عمق 100 متر تحت الأرض. وأضافت أن ضباط جيش التحرير الشعبي بدأوا في إعطاء الأوامر للتدريبات العسكرية من هناك منذ عام 2013.
وقال نايل غاردنير، كبير الباحثين في مؤسسة "هيرتيدج" الأميركية للأبحاث، خلال مقابلة تلفزيونية مع قناة الحرة، إن الصين استثمرت مالا يقل عن 50 مليار دولار خلال العقد الأخير في التوسع العسكري، وجزء كبير من الاستثمارات كان في جزر بالقرب من الفلبين، فهي تستعد لأي نزاع محتمل.
ويرى غاردنير أن حجم الإنفاق العسكري الصيني خلال العقد الأخير يمثل تهديداً صريحاً للقوة الأميركية بمنطقة آسيا والمحيط الهادي، قائلاً "الصين تستثمر رقماً غير مسبوقاً وهذا سيستمر خلال السنوات القليلة المقبلة، وأصبحت متقدمة على الولايات المتحدة في هذا الأمر".
ولفت الباحث الأميركي نظر الولايات المتحدة إلى ضرورة الاستعداد لإمكانية حدوث عدوان صيني في مسارح عديدة عبر آسيا، مضيفاً "لا أعتقد أن الولايات المتحدة مستعدة بما فيه الكفاية لهذا الاحتمال الوارد، لذلك على الإدارة الأميركية التصرف بجدية نحو التهديد المتنامي من بكين".
ترامب يتحصن بـ"قبة حديدية"
يذكر أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب دعا لبناء درع دفاع صاروخي واسع النطاق من الجيل التالي تحت مسمى "القبة الحديدية" لحماية البر الرئيسي الأميركي. وسوف يكون الدرع، الذي سيغطي مساحة أكبر كثيراً من الدرع الإسرائيلي، مصمماً لإسقاط الصواريخ الأسرع من الصوت والصواريخ الباليستية العابرة للقارات.
وبسؤال غاردنير عن فوات الأوان بشأن الاستعداد الأميركي للتوسع العسكري الصيني، قال أعتقد أن الوقت محدود من ناحية الرد الأميركي وما رأيناه من الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة هو "استثمارات محدودة" خاصة في مجال بناء السفن، و"هذا يجب أن يتغير"، داعياً الولايات المتحدة لضخ استثمارات ضخمة خلال الأعوام المقبلة في القوى البحرية في المحيط الهادي، ما يعني مزيداً من السفن لدعم القواعد الأميركية، حيث يقدر حجم الإنفاق الدفاعي الأميركي بنحو 3.5 في المئة من الناتج القومي العام.
وتابع قائلاً "على الولايات المتحدة أن تضغط أكثر على الأوربيين لمضاعفة مستوى الدفاع الأوروبي"؛ لأن مواجهة التهديد الصيني أولوية للأمن القومي الأميركي، على حد قوله.
وأكمل "حالياً، الصين فازت في المنافسة على الولايات المتحدة في كل مستوى من مستويات المحيط الهادي"، لذلك يجب أن يكون الاستثمار في القواعد العسكرية الأميركية أولوية؛ للتأكيد على القوة الأميركية في المنطقة وتحديداً آسيا والمحيط الهادي وبحر الصين الجنوبي؛ لأن ما تفعله الصين حالياً هو محاولة لفرض الهيمنة العسكرية على أكبر مسطح مائي على سطح كوكب الأرض، وليس فقط خلال العشر سنوات المقبلة وإنما خلال الخمسين أو المئة عام المقبلة.
حماية مصالح أم صراع قوى
وفي تقرير نشرته وكالة اسوشيتد برس، زعمت خلاله أن الصين تسعى لتعزيز قوتها العسكرية لحماية الطرق البحرية، وعلّق غاردنير على ذلك قائلاً: نعم جزء كبير من استراتيجية الصين هو السيطرة على الممرات البحرية الكثيرة في المنطقة وطبقاً لآخر التقديرات، هناك نحو 7 تريليونات دولار من التجارة تمر عبر بحر الصين الجنوبي، وهذا مقدار كبير من الثروة سنوياً.
وأشار إلى وجود نحو 80 في المئة من إمدادات الطاقة الخاصة بالصين تمر عبر بحر الصين الجنوبي؛ لهذه الأسباب تنفق الصين ببذخ على الاستثمار العسكري بهذه المنطقة، لذلك أؤكد أن هدف الصين بالطبع هو تأمين خطوط الملاحة الخاصة بها، والهيمنة الكاملة على المنطقة ويكون لها سيطرة عسكرية على خطوط الملاحة، وهذا بالطبع يهدد الازدهار طويل الأمد للغرب أيضاً؛ لأن هدف الصين ليس فقط تأمين مصالحها في المنطقة وإنما أن تكون القوة الإقليمية المهيمنة وفي نهاية المطاف أن تكون القوة العظمى في العالم، بينما الولايات المتحدة على النقيض من ذلك تتراجع كثيراً للوراء.
ويقول خالد أبوشادي، الخبير الاقتصادي لـ"النهار" إن تحركات الصين خلال العقد الأخير تشير لاستعداد بكين لحدث عظيم سيهز العالم، فهي لا تتحصن لأجل الدفاع عن نفسها بل تؤسس أكبر مبنى عسكري في العالم مٌحصن ضد الهجمات النووية والقنابل المتطورة.
وأشار الخبير الاقتصادي إلى وجود احتمال أن الصين تسعى لنقل قيادتها مع بلوغ 100 عام على تأسيس جيش التحرير الشعبي الصيني في 2027، وفي نفس الوقت رسالة ردع واستعراض قوة قبل الاستعداد لأي اصطدام محتمل، خصوصاً مع تصادمات ترامب مع العديد من بلدان العالم، وتهديداته المستمرة بشن حرب تجارية ضروس مع بكين.
وبسؤاله عن رغبة الصين في غزو تايوان، يرى أبو شادي أن الاستعدادات التي تُجريها الصين هي أكبر بكثير من مسألة غزو تايوان الواردة بكل تأكيد، خصوصاً أن المخابرات الأميركية ذكرت أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أصدر أوامر للجيش الصيني كذلك بتطوير القدرة على مهاجمة تايوان بحلول عام 2027، لكن برأي أبوشادي فأن مدينة بكين العسكرية الهدف منها التصدي لتداعيات غزو تايوان وليس الغزو نفسه.
وانتقد أبوشادي ادعاءات بعض وسائل الإعلام الأميركية التي تقول إن الصين تتحصن ضد هجوم فضائي، مشيراً إلى فكر بكين يميل أكثر للتفوق في الحروب الحديثة من خلال تطوير تحصينات ولوجستيات قادرة على مواجهة الأسلحة المدعومة بالذكاء الاصطناعي والطائرة المُسيرة الذكية.
لماذا انفقت الصين 50 مليار دولار على مدينة بكين العسكرية؟
