قدمت جميع الإدارات الأميركية دعماً مادياً وعسكرياً ومخابراتياً وسياسياً للكيان اليهودي الصهيوني الغاصب منذ استعماره لفلسطين . وجاء جميع هذا الدعم غير مشروطٍ رغم كل جرائم الإبادة التي اقترفها ولا يزال يقترفها الى هذه اللحظة هذا الكيان الإرهابي الصهيوني ضد الأمة العربية وخاصة ضد الفلسطينيين عبر الـ 76 سنه الماضية .
لم يدرك الكثيرون حقيقة سر هذا الدعم الأميركي غير المشروط الى أن صرح به الرئيس الأميركي الحالي "جو -جوزيف- بايدن” عبر وسائل الإعلام عدة مرات خلال حياته السياسية . ونقتبس هنا بعض ما فضحه إذ قال ما ترجمته أن "إسرائيل هي أفضل استثمارٍ قمنا به على الإطلاق … إنه أفضل استثمارٍ بقيمة ثلاثة مليارات دولار سنوياً تقوم به أميركا، ولو لم يكن هناك إسرائيل لكان لزاما على الولايات الأميركية أن تخلق إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة (العالم العربي).” فإسرائيل ضرورة أميركية .
كما استطرد شارحاً "الجزء الثاني والهام الذي يجب أن يفهمة الجميع الآن هو أن إسرائيل هي القوة الأعظم التي تمتلكها أميركا في الشرق الأوسط ، وأنا أقول دائماً لأصدقائي تخيلوا ظروفنا في العالم إذا لم توجد إسرائيل ، كم عدد السفن الحربية التي ستكون هناك ، وكم عدد القوات التي ستتمركز … إن أمن إسرائيل والولايات الأميركية مرتبطان ارتباطاً وثيقاً ، ولن نتخلى أبداً عن إسرائيل بسبب مصلحتنا الذاتية.”
ولم يكن الوجود الإسرائيلي ضرورة أميركية فقط ، بل كان لوجودهذا الكيان تأثيراً عظيماً على المسار السياسي والاقتصادي والحضاري وحتى على المسار الديني الأميركي كما صرح "بايدن” عندما قال"لقد صاغ التراث اليهودي هويتنا – جميعنا – بقدرٍ أو أكثر من أي عامل آخر على مدى الـ 223 عاما الماضية ، وهذه حقيقة "، ثم أردف شارحاً "وفي الواقع إن التراث اليهودي والثقافة اليهودية والقيم اليهودية قد صاغت جزءاً أساسياً من هويتنا الأميركية لدرجة أنه من العدل أن نقول إن التراث اليهودي هو تراثٌ أميركي.”
أما أهم وأخطر التصريحات التي شدد عليها هذا الرئيس الأميركي عدة مراتٍ على جميع وسائل الإعلام الإخبارية هي"من المهم أن يعرف الجميع أنه ليس من الضروري أن تكون يهودياً لتصبح صهيونياً . فأنا صهيونيٌ مخضرم .”
وإذا تفحصنا أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي وأعضاء مجلس النواب الأميركي لوجدنا أن معظمهم متصهينين ويدعمون الكيان الصهيوني المستعمر بشدة ، ويبيعون ضمائرهم وإنسانيتهم ومصالح شعبهم للحصول على أموال ودعم اللوبي الإسرائيلي الذي يبيع ويشتري معظم السياسيين وحتى الرؤساء الأميركيين بأموالهم بكل راحة . حتى أن الكثير من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يكونون أكثر صهيونية من الصهيونيين أنفسهم ، وخاصة عندما يطالبون ، بكل وحشيةِ وقسوةٍ شيطانيةِ مجردةِ من أي شعور إنساني ، الإدارة الأميركية والجيش الإسرائيلي بقصف قطاع غزة الصغير بقنابل ذرية أمثال السيناتور "ليندزي جراهام” من ولاية كارولينا، والسيناتور "تيم وولبرغ” من ولاية متشيغان، والسيناتور "أندي أولميز” و "تشاك فلايشمان” من ولاية تنيسي وغيرهم كثيرون ، ولا ننسى "مايكل بينس” نائب الرئيس "ترامب” السابق والمرشحة السابقة للرئاسة "نيكي هيلي” اللذين سارعا الى إسرائيل ليوقعا أسميهما بركةً على القنابل الأميركية التي سيلقيها الجيش الصهيوني على أطفال غزة .
أما الرئيس الأميركي القادم "ترامب” فإنه صهيوني الى النخاع . وحتى قبل أن يتولى الرئاسة هذا العام هدد عدة مرات بأن يجعل غزة جحيماً على الأرض إذا لم تطلق حماس سراح الأسرى الصهيونيينالمغتصبينأرض فلسطينوكأن غزة لم تصبح جحيماً بعد . وإذا تفحصنا أعضاء إدارة هذا الرئيس فإننا نجدهم أكثر صهيونية ممن سبقهم .
لا بد أن نفهم تماماً أنه كما توجد صهيونية يهودية وصهيونية اوروبية وأميركية مسيحيه هناك كذلك صهيونية عربية إسلامية. ورغم أن الشعوب العربية قد سمعت وقرأت عن هذا السر الخطير الذي أفصح به الرئيس "بايدن” إلا أنهم لم يدركوا بعد – أو ربما يتجاهلون – مدى تغلغل هذا السر في الوطن العربي لأنه يصيب بعض الزعماء العرب في الصميم . إذ كما تغلغلت الصهيونية في الرئاسات الأوروبية والأميركية فإنها أيضاً وحتماً قد تغلغلت في الممالك وفي الرئاسات العربية منذ تمزيق الوطن العربي بعد الحرب العالمية الأولى ، وتعيين ملوك ورؤساء ساهموا في تمزيق الأمة العربية الى دويلات ضعيفة ذات طوائف متحاربة ، وتسببوا بشلل اقتصاد البلاد وبمضاعفة الدين العام ، واضطهدوا الشعوب لتبقى فقيرة جاهلة ضعيفة الجيوش لا تستطيع وقف الاستعمار الصهيوني لفلسطين أولاً ثم لكل الوطن العربي .
إن صهينة الزعماء العرب أدت أولاً الى السماح بتقسيم الوطن العربي حسب اتفاقية "سايكس بيكو” ، ثم الى إضعاف المقاومة الفلسطينية ضد هجرة اليهود الصهيونيين الى فلسطين، والى إجهاض الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 – 1939 ، ثم الى هزيمة ستة جيوش عربية – سورية ومصر والاردن ولبنان والسعودية والعراق – عام 1948 على يد عصابة الإرهاب الصهيونية ، الهاجاناة ، ثم هُزمت هذه الجيوش مرة أخرى عام 1967 .
وبعد ذلك تتالت خيانات الانظمة العربية الرسمية أثناء ما سُمي بعمليات تفاوض السلام مع الكيان الصهيوني . هذه الاتفاقات العربية الإسرائلية أجهضت قرار 242 للأمم المتحدة الذي كان يعتبر فلسطين أراض محتلة ، وقرار 182 قرار التقسيم، وجعل فلسطين المحتلة 1948 أرضا إسرائيلية والضفة الغربية أراض متنازع عليها وليست أرضا محتلة ، وتهميش -وحتى نسيان – قرار 192 حق عودة الفلسطينيين الى وطنهم فلسطين. جاءت عمليات التفاوض هذه لأن بقاء بعض هذه الأنظمة العربية اعتمد على التخلي عن القضية الفلسطينية التي هي في الواقع قضية الأمة العربية ، لان هدف الاستعمار الصهيوني ليس فلسطين وحدها فقط ، بل الهدف الرئيسي هو كل الوطن العربي من الخليج شرقاً الى المحيط غرباً ومن سوريا شمالاً الى البحر العربي جنوبا .
لن تقوم للأمة العربية قائمة ليجتمعوا كأمة موحدة تحت إدارةٍ ديمقراطيةٍ ، ذات اقتصاد موحد قوي وبعملةٍ نقديةٍ واحدة ، يحمي حريتها واستقلالها جيش موحد لتستطيع التنعم بثرواتها الطبيعية وبموقعها الاستراتيجي العالمي الهام لتصبح لاعباً عالمياً مميزاً في المجتمع الدولي إلا بعد أن تتخلص من السوس العربي المتصهين الذي ينخر عظامها ويقودها الى الشلل التام .