وسط سُحب الفوضى التي تجمعّت بكثافة, في «سماوات» المنطقة العربية طوال عام ونيّف والتي تسارعت على نحو خطير في الأشهر القليلة الماضية, وتحديداً منذ السابع عشر من أيلول الماضي (عملية تفجير البيجر واجهزة اللاسلكي), وما تلاها من اجتياح صهيوأميركي للجنوب اللبناني والضاحية الجنوبية لبيروت. كما البقاع والهرمل, والتي وصلت ذروتها في الهجوم المكثف «عُدة وعديداً», من الجماعات الإرهابية في سوريا, على مدينة حلب وتدحرجها الى مدن ومحافطات سورية أخرى, بقيادة أبو محمد الجولاني, الذي «تنازل» او قل «تخلّص» من اسمه الحركي, لصالح اسمه في «شهادة الميلاد», ليصبح «أحمد حسين الشرع»/ زعيم هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا/ المُصنفة إرهابية على نحو دولي, بما هي الذراع السورية لتنظيم القاعدة الإرهابي).
نقول: وسط أجواء ومناخات مُلبدة بالتوقّعات المُتشائمة, والتي تفوح منها رائحة التقسيم والمؤامرات ذات الطابع «الدولي», التي خبِرناها منذ قرن ونيّف, لعل أشهرها اتفاقية سايكس ــ بيكو, و«وعد بلفور» أحد إفرازاتها الكارثية. ناهيك عما لحق بالوطن العربي من مآس وحروب وقتل ودمار واحتلالات, على يد حلف الأشرار الذي ضم عتاة المُستعمِرين سواء الجُدد منهم/ الولايات المُتحدة, أم القدامى/ بريطانيا وفرنسا, وخاصة ربيبتهم الصهيونية التي في جوهرها تجسيد عنصري استعماري إحلالي في فلسطين المحتلة, بدعم ومؤازرة ومشاركة فاعلة من دول إقليمية لم تُخفِ ذات يوم واحد, «حنينها» الى ماضيها الاستعماري, الظالِم والظلامي في المنطقة العربية. التي إكتوت بقمعها وتنكيلها بأبناء أُمَتنا، الذين لا يمكنهم نسيانه او غُفرانه.
أين من هناك؟
تعالوا إذاً نرصد بعض ردود الفعل الدولية والإقليمية, على ما حدثَ ويحدث في سوريا, ولنبدا برئيس الدبلوماسية الأميركية, بائع الأوهام والكلمنجي المُتفاخِر بيهوديته/ أنتوني بلينكن, الذي من فرط إنسانيته وانسجاماً مع إرث إدارة رئيسه/ بايدن المُحب للسلام والمُولع بالدفاع عن حقوق الإنسان, والمُلتزِم الراسخ بالقانون الدولي. والذي «ربما» يتم ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام. كما فاز بها رئيسه اوباما, بعد «اقل» من سنة واحدة على دخوله البيت الأبيض, كأول رئيس «أسود» لأميركا «البيضاء»,(وقبله كما هو معروف الإرهابيّان مناحيم بيغن وشمعون بيرس). دعا/بلينكن خلال مكالمة هاتفية مع نظيره التركي حاقان فيدان (كون تركيا الفاعل الرئيس في المشهد الراهن, بعد انهيار «مسار أستانة الثلاثي»). بلينكن دعا فيدان إلى «حماية المدنيين» بمن فيهم أفراد «الأقليات» في سوريا, حيث سيطرتْ فصائل «مُعارِضة» على عدد من المدن الكبيرة في هجوم خاطف. مُشدّداً/بلينكن على «أهمية» حماية المدنيين بمن فيهم «أفراد الأقليات»، ومُتحدثاً عن «الحاجة إلى حل سياسي للنزاع».
مفردات جديدة تُضاف الى «قاموس» إمبريالي أميركي, يبرع في اختراعها ساسة واشنطن المولعون بإشعال الحروب وفرض العقوبات وثقافة «تفوّق الرجل الأبيض», عندما يُريدون البروز كدعاة سلام بمشاعر إنسانية مزيفة, وبخاصة في الإيحاء بأنهم بعيدون عما جرى ويجري في سوريا وفلسطين ولبنان والعراق وليبيا واليمن, دع عنك السودان والصومال والبحر الأحمر.
أما رون بن يشاي فكتب في يديعوت أحرونوت العبرية مقالة تحت عنوان: «المعمعان السوري... مصالح قوى وبحث عن تعزيزات للساحة الخلفية", قال فيها: تقدُّم «الثوار الجهاديين السُنّة» السريع جنوباً واحتلال مدينة حماة, يبدو أنه سبب التشاور العاجل الذي أجراه رئيس الوزراء/نتنياهو مع قادة جهاز الأمن/ليل الأربعاء. وهجوم «الثوار المفاجئ», الذي بدأ «فور دخول وقف النار في لبنان حيز التنفيذ»، يخلق سلسلة تهديدات مُحتملة، ولكنه (يخلِق أيضاً «فُرصاً لدولة إسرائيل»، ويفترِض مُتابعة عن كثب. التهديدات ــ أضاف بن يشاي، وفقاً لترتيب ملحّ، هي: الأسلحة وأساساً الصواريخ وربما السلاح الكيماوي الموجود شمال ووسط سوريا، وربما يقع في غضون أيام وربما ساعات، بل وربما هو الآن في أيدي «الثوار الجهاديين». حلب والقواعد العسكرية في محيطها ــ أردفَ الكاتب، وخصوصاً المجمع الصناعي - العسكري السوري في بلدة السفيرة جنوب شرق حلب، تُقلق جهاز الأمن جداً).
ثمة «قلق» تركي من قيام «دولة كردية», خاصة في ظل دعم أميركي مُعلن لقوات «قسَد» الكردية التي غزت على محافظة دير الزور ومعبر البوكمال مع العراق, اما وزير الخارجية الإيراني/عباس عراقجي فقال: ان سوريا قد تشهد سيناريوهات خطيرة, كـ«حرب أهلية أو تقسيم أو سيطرة كاملة لجماعات إرهابية». لافتاً إلى ان كثيرين تنبّأوا في/2011 بـ«سقوط نظام الأسد, وهناك تقلبات كثيرة تحدث الآن, لذا من الأفضل عدم التّنبؤ».