أثار القرار الصادر بفصل أحد أعضاء مجلس النواب العشرين من الحزب السياسي الذي ينتمي إليه موجة من الردود السياسية والشعبية وذلك بسبب التبعات القانونية التي يمكن أن يرتبها هذا القرار على عضوية النائب المفصول في مجلس النواب.
فهذا العضو قد جرى انتخابه عن القائمة الحزبية الوطنية، بالتالي سيترتب على فصله من الحزب السياسي الذي ترشح عنه فقدان عضويته في مجلس النواب.
إن توجيهات جلالة الملك في مجال تحديث المنظومة السياسية كما عبّر عنها في رسالته إلى رئيس اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية في عام 2021 والمتمثلة «بالخروج بإطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة قادرة على إقناع الناخبين بطروحاتها للوصول إلى برلمان قائم على الكتل والتيارات البرامجية»، قد جرى ترجمتها من خلال إصدار قانون أحزاب سياسية جديد في عام 2022 خصّ الأحزاب القائمة بمقاعد محددة على مستوى الوطن، يقوم الناخبون بالتصويت لمرشحيها بسبب عضويتهم في الحزب السياسي.
وعليه، فإنه يتوافق مع المنطق القانوني أن يترتب على فقدان النائب لعضويته في الحزب السياسي خسارته لمقعده في البرلمان. وهذه الممارسة الدستورية التي تبنتها العديد من الدساتير المقارنة، منها الدستور المغربي الذي توسع في نطاق الربط بين استمرارية العضوية في مجلس النواب والانتماء الحزبي، بأن اعتبر أن انسحاب النائب من الكتل النيابية التي ينتمي إليها يعد سبباً لفقدان عضويته في البرلمان بغرفتيه الاثنتين؛ مجلس النواب ومجلس المستشارين. فالفصل (61) من الدستور المغربي ينص صراحة على أن «يُجرد من صفة عضو في أحد المجلسين، كل من تخلى عن انتمائه السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، أو عن الفريق أو المجموعة البرلمانية التي ينتمي إليها».
وما يعزز من دستورية الربط بين العضوية في الحزب السياسي والبقاء في مجلس النواب أن المادة (70) من الدستور بحلتها المعدلة في عام 2022 قد أحالت على قانون الانتخاب لتحديد شروط إضافية في عضو مجلس النواب يترتب على فقدانها انتهاء العضوية، والتي من أهمها استمرارية الصفة الحزبية لنواب القائمة الوطنية المغلقة. فيكون بذلك شرط الإبقاء على الانتماء الحزبي حالة جديدة من حالات فقدان العضوية في مجلس النواب التي حددها المشرع الدستوري بالوفاة والاستقالة والفصل واسقاط العضوية.
ونظرا للارتباط المصيري بين عضوية النائب في الحزب السياسي وبقائه في مجلس النواب، فإنه يتعين إيجاد منظومة متوازنة من القواعد القانونية التي تحكم علاقة النائب بحزبه السياسي الذي اختاره ممثلا عنه في القائمة الحزبية الوطنية، فهذه العلاقة يفترض أنها محكومة بالنظام الأساسي لكل حزب سياسي، والذي يجب تقديمه مع أي طلب لتأسيس حزب جديد وفق أحكام القانون.
فعلى الرغم من أن المادة (7) من قانون الأحزاب السياسية النافذ قد حددت أبرز الأحكام التي يجب تضمينها النظام الأساسي لكل حزب والتي من أهمها تلك المتعلقة بالنظر في المخالفات التي يرتكبها الأعضاء في الحزب، إلا أن هناك غياباً لآلية رقابية واضحة على هذه الأنظمة الأساسية، نجم عنها تعزيز سلطة الحزب السياسي على الأعضاء فيه، وإعطاء مجالسه السياسية والتنفيذية صلاحيات واسعة على المنتسبين إليه، سواء أكانوا أعضاء في مجلس النواب أم غير ذلك.
وقد أحسن قانون الأحزاب السياسية عندما أعطى المحكمة الإدارية صلاحية النظر في الطعون المتعلقة بالقرارات النهائية للحزب فيما يخص الفصل في النزاعات بين أعضائه وقيادته التنفيذية.
كما يسجل لقانون الانتخاب الحالي أنه قد اشترط أن يتقرر فصل النائب من حزبه بقرار قضائي قطعي صادر عن المحاكم الإدارية، والتي تملك صلاحية الرقابة على مشروعية قرار الفصل والتحقق من صحة الإجراءات المتبعة عند صدوره، وعدم وجود تعسف في استعمال الحق أو غلو في العقوبة المفروضة.
إلا أن وجود ضمانات قانونية لرقابة القضاء على قرارات الفصل الصادرة عن الأحزاب السياسية لا يعني بأي حال من الأحوال أن يكون للحزب سلطة تقديرية مطلقة على أعضائه، خاصة النواب منهم الذين تم اختيارهم لتمثيل الحزب والترشح عنه في الانتخابات النيابية. ففي الواقعة التي جرت قبل أيام، لم يكن قد مضى على عضوية النائب المفصول سوى أشهر معدودة ولم يحضر إلا جلستين برلمانيتين فقط ليتقرر بعد ذلك فصله من الحزب الذي ينتمي إليه بحجة عدم تعاونه مع إداراته العليا.
وفيما يخص الادعاءات الأخرى بأن النائب المفصول قد صدر بحقه قرارت قضائية بالإدانة بجرائم جزائية، فإن هذه الأقاويل–وإن صحت–تثير تساؤلات حول الآلية التي جرى فيها اختيار المترشحين للانتخابات الأخيرة وبالأخص للمواقع المتقدمة في القائمة الوطنية، وضرورة إعادة النظر فيها لصالح إعمال أسس ومعايير أكثر فاعلية تضمن اختيار العضو الذي سيُحسن تمثيل الحزب في البرلمان.
إن الإبقاء على علاقة طيبة بين الحزب السياسي وممثليه المنتخبين خلال العمر الدستوري لمجلس النواب ستحقق فائدة أكبر للحزب السياسي منها بالنسبة للنائب العضو؛ ذلك أن وجود ممثلين عنه في المجلس النيابي ستمنح أعضاءه الفرصة لتنفيذ برامجه وأهدافه، وبالنتيجة تعزيز فرص ذلك الحزب في زيادة غلته من المقاعد النيابية في الانتخابات البرلمانية القادمة.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com