التمثيل صار حقيقة... والنمل خسران

التمثيل صار حقيقة... والنمل خسران
خالد البري
أخبار البلد -  

استعداداً للسفر إلى العراق بعد الغزو الأميركي، ذهبتُ مع زملاء في «بي بي سي» إلى تدريب على العمل الصحافي في المناطق الخطرة. أسبوع من السيناريوهات التي تحاكي الحقيقة في مواقف متدرجة الصعوبة... أين تقف في تظاهر كبير غاضب، وكيف تتحرك مع فريق العمل في كتلة واحدة متراصة، وكيف تتصرف إن وجدت نفسَك في نطاق إطلاق نار، أو في منطقة ألغام، أو انفجر لغمٌ في زميل لك، وكيف تتعامل إن أوقفك مسلحون في نقطة تفتيش عشوائية، أو اختطفتك جماعة إرهابية...

 

 

 

 

انهار بعضنا خلال الاختطاف أو في محاكاة الإعدام. واقترف بعضنا في التدريب التطبيقي محظورات بدت خلال الدروس النظرية سهلةَ التنفيذ. في نهاية الكورس سخرنا من تلك السيناريوهات التي لن تفيدنا بشيء في المواقف الحقيقية. وهو اعتقاد ثبت لي خطؤه في العراق، وفي الحرب بين إسرائيل و«حزب الله»، وفي المواجهات بين الجيش اللبناني وجماعة «فتح الإسلام»، وحتى في مظاهرات اليونان احتجاجاً على إجراءات التقشف. ظروف مختلفة استَدعيتُ في كل منها شيئاً تعلمته، وأدركت أن تفكيري الشخصي لم يكن ليسعفني؛ لأن تلك المواقف نادرة في حياة أي شخص، وإن ارتكبت الخطأ فلن تعيش لتُصوِّبه، أو ستكون التجربة قاسية بحيث تتجنبها مستقبلاً. والطريقة الوحيدة، من ثَمَّ، هي أن تتعلم من تجارب الآخرين. يضيف سابقوك إلى سلة خياراتك خياراً صائباً لم يكن ليأتي على بالك من الأساس، ويمنحونك فرصة لإدراك منطقه.

وعصارة ما تعلمتُ أن الصواب ليس ما تمليه مشاعرك. إن انفجر في ساق زميلك لغمٌ فستدفعك مشاعرك إلى الركض نحوه، وستضره وتضر نفسك... سينفجر فيك لغم بينما تهرع إليه، أو بينما تحمله إلى خارج منطقة الألغام، وسيصير لدينا اثنان في حاجة إلى إنقاذ، ولا أحد لإنقاذهما. الإجراء السليم يعتمد على مهارات معينة ترجح نتيجة إيجابية.

هنا يظهر الفارق بين أخلاقية الدوافع وأخلاقية النتائج. لكن الدرس لم يكتمل بعد. الدوافع في المشهد السابق مشاعر غالبة، تتألم وأنت تقاومها. جربنا ذلك في التطبيق العملي ونحن نشاهد المصاب يستغيث بنا، ويتوسل إلينا ويذكرنا بأطفاله الصغار، بينما الدوافع في المشهد المقبل مختلفة.

في التدريب على التنقل عبر المناطق المنزوية، بالغة الخطورة، ننقسم إلى سيارتين على الأقل... إن وقعتْ إحداهما في كمين، نبهت الأخرى لتهرب وتحاول أن تأتي إلينا بمساعدة. ونتقاسم الأدوار في كل سيارة؛ هذا يتولى القيادة، وتلك تراقب يمينَ الطريق، وذاك يسارَها. أما المهمة الأدق، فالتواصل مع السيارة الأخرى في القافلة. وبقدرة قادر، تقرر المجموعة أن تختارني أنا لهذه المهمة... تركوا ستة أفراد لغتهم الأم الإنجليزية واختاروا سابعاً يتحدثها بلكنة ثقيلة، وأذنه مدربة على لكنة نشرة الأخبار. سأكون مسؤولاً عن تبادل المعلومات والتنبيهات، عبر «ووكي توكي» سيئ الإرسال والاستقبال، وسط أصوات هبد السيارة على المطبّات، وضغط الخوف من مفاجأة تنقضّ علينا من خلف الأشجار الكثيفة.

الزملاء فعلوا ذلك من باب حسن الخلق؛ أن يُعبّروا لهذا الغريب عن ثقتهم به بمنطق «Yes you can». إنما الموضوع لا علاقة له بالثقة؛ بل بالقدرات. لديّ عينان تراقبان الطريق كأي واحد فيهم، لكنَّ لساني وأذنيَّ ليست مدربة بالكفاءة نفسها... فكيف نجعلها مسؤولة عن نجاتنا وهلاكنا؟!

ما بين «أستميحك عذراً»، و«آسف»، و«قُلها مرة ثانية»، ضاعت التعليمات في وقت حرج. وبعد التدريب صرخ فينا المشرف: «ليس هذا وقت الصوابية السياسية. وظيفتكم أن تختاروا أنسب شخص لكل مهمة. نحن لا نوزع المهام بالكوتة هنا».

هذا المشهد أضاف للدرس بُعداً آخر. سألت نفسي: هل صحيح أن الدافع هنا حسن الخلق؟ لا. هذا تشخيص سطحي وخاطئ، ربما يصح على شخص ألقى بنفسه في النهر لإنقاذ طفل فغرق... فتلك مشاعر غريزية قوية، حقيقية وتلقائية، كمشهد حقل الألغام. أما هنا فلدينا وقت وبراح للتفكير العقلاني. ليس من سوء الخلق أن نكلف الفرد بما يناسب قدراته. والشجاعة الأخلاقية تحتم التحلي بالمسؤولية في القرار. على مستوى الجماعة خسرنا. وعلى مستوى الفرد وُضِعت في موقف حرج؛ إن رفضت صرت عالةً على الفريق، وإن قبلت فشلت. وهذا ما حدث. الدافع الأكبر في القرار كان الرضا عن النفس.

ولا أقصد زملائي بالتحديد، ربما طمأنهم أن المشهد تمثيلي. إنما اتخذته مثالاً لفهم مواقف واقعية. التركيز على الدوافع، لا النتائج، عَرَضٌ لأحد مرضين: إما ادعاء أخلاقي مزيف، يتجلَّى في جبن أخلاقي عن اتخاذ الموقف النافع وإبداء الرأي المفيد؛ حفاظاً على الصورة الشخصية. وإما طاعة الآيديولوجيا بدلاً من تشغيل العقل. يصيب «فطر كورديسيبس» النملة؛ يسيطر على عقلها ويحولها إلى «زومبي»، فتترك خليتها وتسعى في خدمة الجرثومة وهلاك نفسها.

شريط الأخبار الأمم المتحدة حول تفجير أجهزة اتصال في لبنان: جريمة حرب الدفاع المدني يخمد حريق مستودع مفروشات في اربد ويسعف سيدة مصابة ما مصير عقيل وقادة الرضوان وأين كانوا مجتمعين.. معلومات جديدة حول الغارة الإسرائيلية على الضاحية الجنوبية ماذا دار بين ماكرون ونتنياهو بمحادثتهما المتوترة؟ التربية : لا تغيير على اوقات الدوام والحصص المدرسية غدا السبت خلوة حكوميَّة غداً بعنوان: رؤية التَّحديث الاقتصادي.. ليتواصل الإنجاز لتنظيم عمل الوزارات والمؤسَّسات الحكوميَّة من هو إبراهيم عقيل القيادي في حزب الله الذي أعلن الاحتلال استهدافه في بيروت؟ حسناء البيجر.. لغز سيدة أعمال غامضة ربما تكون وراء تفجيرات لبنان 10 ساعات .. قطع مبرمج للتيار الكهربائي عن مناطق شمال المملكة غداً (أسماء) أفعى الحراشف المنشارية تلدغ ثلاثينية في مندح وتدخلها إلى العناية الحثيثة من هي الدول التي عارضت قرارا أمميا يطالب إسرائيل بإنهاء الاحتلال؟ الهيئة العامة للجنة المالية في اتحاد شركات التأمين تنتخب رئيساً وأعضاءً جدد للجنة التنفيذية.. أسماء لفتح قنوات للتواصل.. حسان يتواصل هاتفيَّاً مع اعضاء مجلس النوَّاب العشرين المنطقة العسكرية الجنوبية تحبط محاولة تهريب مواد مخدرة بواسطة طائرات مسيرة للتذكير.. غدا السبت دوام رسمي للمدارس الحكومية 350 يوما للعدوان.. مجازر بشعة في غزة والحدود اللبنانية تشتعل والكشف عن مخطط "البيجر" هل هواتفنا الذكية معرّضة للانفجار .. تقرير مفصّل هل يحضر نصر الله لعمل "من حيث لا يحتسبون؟".. قراءة في خطاب الأمين العام لحزب الله اللبناني قديروف يتّهم إيلون ماسك ب«تعطيل» سيارته «تسلا سايبرترك» عن بُعد تفاصيل 3 أحداث أفجعت الشارع الأردني خلال أسبوع