انتهت في التاسع من حزيران 2024 صلاحية اتفاقية البترودولار بين
السعودية والولايات المتحدة الموقعة في حزيران 1974 ومدتها 50 سنة ، مع قرار القيادة السعودية عدم التجديد لها وقد
يكون لها أسبابها الموجبة رغم المحاولات الأميركية وزيارات المسؤولين الأميركيين
للرياض ممثلة بوزير الخارجية ومستشار الأمن القومي التي سبقت انتهاءها للسعي
لتجديدها .
وكانت التزامات السعودية بالاتفاقية حصر بيع النفط
السعودي بالدولار الأميركي أي استخدام الدولار لشراء النفط ، واستخدام المملكة لفائض
عائداتها النفطية في سندات الخزانة الأميركية ، وهي خطوة أعقبت فك الولايات
المتحدة ارتباط الدولار بالذهب عام 1973 .
وقد ساعدت تلك الاتفاقية الولايات المتحدة على تعزيز
مكانة الدولار الأميركي كعملة احتياطية في العالم والأكثر سيطرة في الاقتصاد العالمي وطوق نجاة
للعملة الأميركية باعتبار النفط أهم سلعة استراتيجية في الأسواق العالمية ، وتدفق
رأس المال الأجنبي الى سندات الخزانة
الأميركية ودعم أسعار الفائدة وسوق السندات ووجدت مصدرا مستقرا للنفط .
أما السعودية ، فقد أعطتها الاتفاقية الدعم الأمني والعلاقات
الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وضمانات لأمنها وحمايتها من الأخطار الخارجية مقابل
الدعم الاقتصادي .
ويبدو أن الأسباب والمعطيات التي استوجبت ابرام
الاتفاقية قبل خمسين عاما وانقضت مع مرور الزمن لم تعد قائمة في الوقت الحاضر ورؤية القيادة السعودية بعدم
الحاجة الى تجديدها بمجرد انتهائها
تلقائيا .
ويرى محللون أن انعكاس
انتهاء الاتفاقية على الاقتصاد الأميركي والدولار ، قد يكمن في انخفاض الطلب على
الدولار وقوته وقيمته لصالح العملات البديلة الأخرى ومعاودة ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة واضعاف سوق السندات وقد يعرض مكانة الدولار
للاهتزاز باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية عالميا وتراجع هيمنته عل مشهد
العملات البترولية والسياسة الخارجية الأميركية التي شهدت نفوذا وتوسعا لسنوات
طويلة وتأثرت في السنوات الأخيرة وظهور تحالفات وتكتلات واستقطابات جديدة معاكسة
لها وميل العديد من الدول للانضمام اليها .
وقد صور البعض المشهد بأن أميركا أمام كابوس اقتصادي
قادم .
ان قرار المملكة العربية السعودية بعدم التجديد لا يعني
وقف مبيعات النفط السعودي بالدولار الأميركي فورا وبشكل كامل مع الاستقرار والقبول العالمي للدولار ولكن يبقى خيارا وغير ملزم لها باتفاقيات ، وادراك
الادارة الأميركية أهمية الحفاظ على علاقات قوية مع المملكة .
اذا علمنا أن 80% من مبيعات النفط العالمية في عام 2023 تم تسعيرها بالدولار و20% بعملات أخرى
.
وحسب شركة
أرامكو ، فان الطلب العالمي على النفط سيزيد الى 104 مليون برميل يوميا خلال عام 2024 وأن العالم يستهلك 4% من الطاقة النظيفة
رغم استثمار 9،5 تريليون دولار على التحول الطاقي ويجب على صناع السياسات ضمان
الاستثمار الكافي في النفط والغاز من أجل تليية الطلب .
والسعودية عضو بارز ومؤثر في منظمة أوبيك بلس وقراراتها
وتوجهاتها بالتنسيق مع باقي الأعضاء وتلعب دورا مهما في استقرار أسواق النفط
والأسعار من خلال التحكم بالانتاج والعرض وبما يتناسب مع الطلب العالمي .
لقد بدأت السعودية بالتقليل من الاعتماد على النفط وفي ظل التوجه العالمي نحو مصادر الطاقة النظيفة ، وبلغت مساهمة الأنشطة غير النفطية في الناتج
المحلي الاجمالي للمملكة الى 50% في 2023 مع التوقعات بنموه بنسبة 5،5% في 2024
حيث زخم البنية التحتية يجذب الاستثمار الأجنبي .
ان السعودية تتمتع بمركز ثقل اقليمي وتلعب دورا بارزا في السياسة الدولية وتعمل على توسيع علاقاتها
الاقتصادية والتجارية والاستثمارية مع دول وقوى كبرى مثل الصين وروسيا والهند
والبرازيل وجنوب شرق أسيا وافريقيا التي
تتمتع بمعدلات نمو مرتفعة وبيع النفط
بعملات متعددة ، وتعمد الصين منذ فترة الى بيع سندات الخزانة الأميركية وقللت من حيازتها بشكل كبير والسعي لاحلال
البترو يوان محل البترو دولار قي اطار التنافس والصراع الاقتصادي الصيني
الأميركي والخلافات والحرب التجارية بينها
وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي .
وحسب وزارة
المالية السعودية ، فان نسبة زيادة كبيرة وصلت الى 66% في الناتج المحلي الاجمالي
السعودي من عام 2016 حتى عام 2023 ويبلغ حاليا نحو 4،1 تريليون ريال ، وأن الاقتصاد السعودي يمر بمرحلة نمو متميزة
جدا وقد سيطرت على التضخم وبلغ 1،6% في
أيار الماضي وتواصل خفضه حتى 2026 .
و تنفذ السعودية
مبادرة 2030 وحققت معظم مستهدفاتها قبل أوانها وتعمل حاليا على تنفيذ مدينة نيوم ، كما تعمل على رفع الناتج المحلي الصناعي بنحو ثلاثة أضعاف مقارنة بعام 2020
ليصل الى 895 مليار ريال في عام 2030 .
لقد حقق الميزان التجاري السعودي فائضا في 2023 حسب
الهيئة العامة للاحصاء حيث بلغت قيمة الصادرات السلعية 298 مليار ريال والواردات 201 مليار ريال ، فيما تراجعت
الصادرات البترولية الى 227 مليار ريال .
وترى وكالة
موديز أن القطاع المصرفي السعودي يستفيد بقوة من أجندة التنويع الاقتصادي في
المملكة والطلب على الائتمان للمشاريع المدعومة حكوميا سيبقى مرتفعا في الفترة
المقبلة وارتفاع الائتمان سيحسن من أداء القروض ويرفع من ربحية البنوك و لدى
البنوك قدرة كبيرة على استيعاب خسائر القروض بسبب النسب المرتفعة في رأس المال مع توقعاتها بانخفاض معدل القروض المتعثرة الى
1،5% من اجمالي القروض وأن تنويع اقتصاد المملكة سيساهم في تحسن البيئة
التشغيلية للبنوك و النظرة المستقبلية للقطاع المصرفي لا تزال ايجابية .
وفي مجال
السياحة ، فان المملكة تتصدر دول مجموعة
العشرين و المرتبة الثانية عالميا كأسرع
وجهة سياحية نموا حيث شهدت زيادة في عام 2023
بنسبة 50% في عدد السياح الدوليين ، وتعمل على رفع مستهدفات السياحة الى 150 مليون
زائر داخليا وخارجيا بحلول عام 2030 واقرار التأشيرة السياحية الخليجية سيفتح فرصا
استثمارية .
أما الخطوط الجوية السعودية التي تأسست قبل 80 عاما ، فتمتلك اسطولا من 142 طائرة وأكثر من 90 وجهة
حول العالم ووقعت مؤخرا اتفاقا مع شركة
ايرباص لشراء أكثر من 100 طائرة بقيمة 19 مليار دولار ، ويدرس صندوق الاستثمارات
العامة السعودي وهو الصندوق السيادي للدولة الاستحواذ على الخطوط السعودية بهدف تحسين الكفاءة والربحية وقد تدمج لاحقا مع طيران الرياض وهي مملوكة من
الحكومة السعودية أيضا .
وتستهدف
السعودية زيادة عدد المسافرين الى 100 مليون مسافر بحلول 2030 وتعمل على انشاء
مطارات جديدة لدعم قطاع الطيران ويبلغ اجمالي الفرص الاستثمارية المتوقعة في قطاع
الطيران السعودي نحو 100 مليار دولار .
أما قطاع الأغذية السعودية ، فيشهد نموا متواصلا في
العديد من المجالات وحققت الاكتفاء الذاتي في العديد من منتجات الألبان وبنسبة
100% .
وتعمل المملكة على بناء قطاع رياضة فعال عبر مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية ،
ويبغ حجم سوق الرياضة في المملكة 25 مليار
ريال حاليا ، فيما سيبلغ 84 مليار ريال بحلول 2030 حيث استقطاب اللاعبين وخصخصة
بعض الأندية واعتماد شهادات تدريب مهنية في الرياضة وانشاء أكاديميات متخصصة في مجال التدريب الرياضي يدعم السوق ، وستستضيف بطولة كأس العالم
لكرة القدم بمفردها عام 2034 بمشاركة 48 منتخب على ملاعب ستكون الأجمل في العالم بتقنيات وامكانات غير مسبوقة .
أما اعادة
التدوير وحسب وزارة البيئة السعودية ،
فانه يمكن أن تساهم بنحو 120 مليار ريال
بالاقتصاد بالأرقام المتحفظة وخلق فرص العمل .
وفي سوق العمل ، ارتفع عدد السعوديين بسوق العمل الى 2،3 مليون ، وانخفاض معدل البطالة الى مستوى
تاريخي بلغ 8% .
وفي مجال تدبير
الأموال اللازمة للانفاق والمبادرات التمويلية ، فان اصدارات المملكة من السندات
والصكوك حسب الموازنة التمويلية تغطى سريعا من المكتتبين والمستثمرين الداخليين والخارجيين وبأضعاف
المبالغ المطلوبة مدعومة بجدارة ائتمانية مرتفعة وتصنيف ائتماني ممتاز .
و أطلقت صندوق
التنمية الوطني للاستثمار الجرئ ومسرعات الأعمال بقيمة 300 مليون ريال وبنك
التنمية الاجتماعية الذي ساهم في خلق أكثر من 120 ألف وظيفة عن طريق تمويل الأسر
المنتجة واجراءات استراتيجية اتخذتها لتحفيز الابتكار في التقنية المالية .