مع بروز هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، والمنبثقة عن تنظيم القاعدة، في إسقاط الرئيس السوري السابق بهجوم خاطف وسريع في ظرف 11 يومًا فقط وبدعم خارجي، والمدرجة على قوائم الإرهاب الأميركية والغربية، بدأت الأصوات الدولية والأميركية تتعالى باحتمالية رفع الهيئة عن قائمة الإرهاب بعد السقوط واستلامها زمام المرحلة الانتقالية المؤقتة في سوريا. يُتوقع أن يُساعد الرفع المحتمل في تسيير وتصريف أمور الدولة السورية.
وأعلن مسؤولون أميركيون، الأربعاء، أن تصنيف الهيئة منظمة إرهابية لن يُزال إلا بضمان تدفق المساعدات وضمان الحقوق السياسية، وأن إعادة الإعمار قد تدفع الولايات المتحدة إلى مراجعة العقوبات المفروضة على سوريا.
وتحدثت إسبانيا عن أن مناقشة العقوبات على سوريا أمر مطروح على الطاولة، ويجب بحث إزالة "هيئة تحرير الشام" من قائمة الإرهاب.
وقد بدأت الخطوات بتكليف رئيس حكومة الإنقاذ، محمد البشير، البالغ من العمر 41 عامًا، بتشكيل حكومة سورية جديدة، حيث باشرت أعمالها في إدارة المرحلة المؤقتة حتى الأول من آذار 2025. أصبحت الهيئة تسيطر، بعد الأحداث الأخيرة، على 70% من أراضي سوريا، فيما تبقى الجزء المتبقي تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، التي تضم أكرادًا مدعومين من الولايات المتحدة، وفي نزاع مع تركيا التي تتواجد قواتها أيضًا داخل عمق أراضٍ سورية حدودية.
في ظل ذلك، وبحسب خبراء عسكريين واستراتيجيين، قد تشهد سوريا خطر التقسيم أو التقاسم.
وكان تشكيل الحكومة بقرار منفرد من أحمد الشرع، رئيس هيئة تحرير الشام، والمسمى الجديد القائد العام للإدارة السورية الجديدة، بمثابة أول انتقاد وجه إليه من المعارضة السورية. إذ اعتبروا ذلك انفرادًا بالقرار السوري، سياسيًا وعسكريًا، دون التنسيق والتشاور مع قادة المعارضة.
القائد العام الجديد، بين التطمينات الدولية والتحديات الداخلية، وسيطرة المعارضة المسلحة على أجزاء من البلاد، قد يواجه تحديات أمام الحل السياسي. وقد تحدث قائلاً إن على الحكومات الأجنبية ألا تقلق بشأن الوضع في سوريا، وإن الناس منهكون من الحرب وبالتالي فإن البلاد غير مستعدة للدخول في حرب أخرى. وأضاف: "الخوف كان من وجود الرئيس السوري الذي سقط الآن، والقلق الغربي بشأن سوريا غير مبرر. الأولوية الآن في البلاد تتجه نحو التنمية، وإعادة الإعمار، والاستقرار. مصدر مخاوفنا كان الميليشيات الإيرانية وحزب الله والنظام السوري، الذي ارتكب المجازر التي نراها اليوم. لن نعفو عمن تورط في تعذيب المعتقلين وتصفيتهم، وسنلاحق من تورط في ذلك ونطالب الدول بتسليم الفارين".
كما أشار إلى أنهم لم يتلقوا دعمًا عسكريًا خارجيًا، وأن السلاح الذي قاتلوا به محلي الصنع. وأضاف: "نعمل مع منظمات دولية لتأمين مواقع الأسلحة الكيماوية المحتملة، وسنعمل على حل قوات الأمن التابعة للنظام السابق وإغلاق السجون سيئة السمعة".
فيما رحب البنتاغون بالتصريحات حول الأسلحة الكيماوية، لكنه "ينتظر الأفعال".
وأعلنت الحكومة الجديدة أن هناك اتصالات مع شتى الدول لتوضيح صورة سوريا الجديدة، وأكدت: "نريد من دول العالم ألا يصبغوا الثورة بداعش لأنها صفحة سوداء في تاريخ سوريا. الأولويات الآن هي ضبط الأمن والاستقرار، وتشغيل الخدمات التي تمس المواطن، وإعادة ملايين السوريين إلى بلدهم، وملاحقة مجرمي الحرب، وإعادة هيكلة الجيش والبدء بتشكيل وزارة الدفاع".
وأعلن حزب البعث، وهو الحزب الحاكم الذي ينتمي إليه الرئيس السوري السابق، في بيان له، دعمه لفترة انتقالية في سوريا، ولوحدة البلاد أرضًا وشعبًا ومؤسسات، مؤكدًا أن سوريا أمام عصر من النور.
وحسب رئيس الحكومة السورية السابقة، التي سلمت مهامها للحكومة الانتقالية، فإن حزب البعث هو هيكل غريب. وأشار إلى أنه التقى الرئيس السوري مرتين خلال الشهرين الأخيرين.
وقد أعلنت الولايات المتحدة أنها مستعدة لدعم الشعب السوري خلال العملية الانتقالية. وأوضحت أن السقوط لم يكن ليتم لولا دعم الولايات المتحدة لإسرائيل ضد إيران، ولأوكرانيا ضد روسيا. وأضافت: "شاركنا بشكل غير مباشر في إضعاف الرئيس السوري، والإطاحة به فرصة عظيمة، لكنها تحمل خطرًا. هشاشة الدعم الروسي والإيراني له مثيرة للدهشة، ويجب محاسبته على ما ارتكبه". كما أشارت إلى وجود مخاطر محتملة من عودة التطرف وتنظيم داعش إلى سوريا.
ودعت واشنطن، الأربعاء، هيئة تحرير الشام إلى إدارة عملية شاملة وموثوقة وغير طائفية لتشكيل حكومة انتقالية، محذرة من إدارة البلاد بشكل فردي أو التبعية لأي جهة.
من جانبه، قال الأمين العام للأمم المتحدة: "نشهد إعادة تشكيل الشرق الأوسط، ونرى بعض بوادر الأمل تأتي من نهاية الدكتاتورية السورية".
أما الرئيس التركي فقد أشار إلى أن الرئيس السوري رفض دعوات تركيا للحوار، وفرّ بعدما أحال سوريا إلى أنقاض. وأضاف أن تركيا ستدير عملية كريمة لإعادة اللاجئين السوريين المقيمين على أراضيها إلى بلادهم، مؤكدًا أن تركيا ليس لها أطماع إقليمية في سوريا.
وفي تعليق العراق على الأحداث، أشار إلى أن ما يحدث في سوريا شأن داخلي.
وأعلنت روسيا انسحاب قواتها وآلياتها من شمالي سوريا، مخلية مواقعها إلى الساحل السوري. وأكدت أنها تدرك أن البلاد في مرحلة تحول تشهد عدم استقرار شديد، ما يستلزم وقتًا ومحادثات جادة مع الجهات المسيطرة على الوضع في سوريا. كما شددت على أهمية الحفاظ على اتصالاتها مع الأطراف الفاعلة داخل سوريا.
وأفادت روسيا بأن الرئيس السوري بات لاجئًا رسميًا مع عائلته، بقرار من الرئيس بوتين، مشيرة إلى أن لجوءه يعقد محاكمته، كون روسيا ليست طرفًا في اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية. وأوضحت أن قرار الرئيس السوري بترك منصبه كان قرارًا خاصًا به.
يذكر أن بوتين يواجه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2023 بسبب حرب أوكرانيا، ويتجنب السفر إلى دول محددة خشية تنفيذ المذكرة. كما أفادت مصادر روسية بأن الرئيس الروسي طلب من الاستخبارات تفسيرًا لسبب عدم اكتشاف التهديد المتزايد لحكم الرئيس السوري.
وتشير بعض التحليلات إلى أن الصمت الروسي تجاه الأحداث في سوريا قد يكون نتيجة اتفاق بين القيادة الروسية والإدارة الأميركية الجديدة، يقضي بإبرام صفقة "سوريا مقابل أوكرانيا"، تشمل قضم أراضٍ أوكرانية لصالح روسيا وإنهاء الحرب هناك. يأتي ذلك بالتزامن مع تصريحات الرئيس الأوكراني التي أعرب فيها عن تفاؤله بفوز ترامب وإمكانية إنهاء الحرب في عام 2025 بأي طريقة.
من جهة أخرى، يؤكد باحثون روس أن روسيا تتمسك بوجودها الاستراتيجي في سوريا من خلال قواعدها في حميميم الجوية وطرطوس البحرية، اللتين تعتبران أساسيتين لدورها في البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا. ويرون أن خسارة هذه القواعد قد تعني خسارة وجود دائم لأسطولها البحري في المنطقة.
أما المرشد الإيراني فقد علق قائلًا إن سقوط الرئيس السوري لن يضعف إيران، لكنه حذره مسبقًا من التهديدات في سبتمبر الماضي، إلا أنه أهمل التحذير. وأضاف أن "حكومة مجاورة لسوريا لعبت دورًا واضحًا في الأحداث"، في إشارة منه إلى تركيا.
وحسب تقارير إعلامية، فإن إيران خسرت نفوذها العسكري في سوريا، وأعلنت انسحاب قواتها بعد سقوط الرئيس السوري، منهيًة بذلك وجودها هناك.
ينصب الاهتمام الآن على المعتقلين في السجون السورية، حيث أشارت منظمة العفو الدولية إلى أن هذه فرصة تاريخية لإنهاء عقود من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان تحت حكم النظام السابق. كما أكدت أن سجن صيدنايا، سيئ السمعة، كان "مسلخًا بشريًا"، حيث يُعدَم فيه 50 سجينًا مرتين أسبوعيًا، ويضم غرفًا لحفظ جثث المعتقلين.
فيما تتحرى فرق الدفاع المدني السوري مصير 1750 معتقلًا مفقودًا، يُعتقد أن معظمهم قد تم إعدامهم. وأبرزت التقارير تحرير رضيع من سجن صيدنايا، ووصفت الحالة بأنها الأكثر رعبًا في تاريخ السجون، حيث قضى فيه عشرات الآلاف من المعتقلين.
ووفق خبراء مختصين في التنظيمات المسلحة، فإن فكرة "دولة الخلافة" تتناقض بشكل جذري مع مفهوم الدولة الحديثة. وأشاروا إلى أن التنظيمات المتطرفة تستخدم أدوات فكرية ودعائية لتقويض مفهوم السيادة الوطنية، مما يثير مخاوف من تأثير هذه الجماعات على وحدة الدولة والمجتمع في سوريا.
أما عن الاقتصاد، فقد أوضحت مراكز الدراسات أن الاقتصاد السوري بدأ ينهار تدريجيًا منذ بداية النزاع في عام 2011، حيث كان سعر صرف الدولار 50 ليرة سورية قبل الحرب، لكنه تدهور إلى 15 ألف ليرة خلال النزاع. وارتفعت الأسعار بشكل قياسي، مع تفاقم الأوضاع المعيشية، وانتشار السلع المهربة، والتقنين في إمدادات الكهرباء والوقود، ما يعكس انهيارًا كارثيًا في سعر الصرف.
ووفق التقديرات الدولية، تتراوح تكاليف إعادة إعمار سوريا بين 200 و300 مليار دولار.