لا أذكر تفاصيل طفولتي جيداً لكنني لا أنسى أبداً كم كان الخوف يعتريني إذا اخطأت كي لا اعتذر.. فالرجل لا يعتذر بفكر الرجولة.
وكم كنت أشعر بالخوف إن كان لي نصيب من «نزاعات» أطفال آخرين فالفشل بها يعني أنني لست رجلا.. فالرجولة ألا تنهزم مرة وتنتصر مرة اخرى.
وكم كنت أشعر بالضعف في كل مرة أحتاج بها إلى «أمي» ولا أستطيع أن أعبر عن ذلك بصراحة كي لا أكون «الطفل المدلل».
وأقسى ما عشته طفولة مقيدة فقط لأنني لا أحمل باسمي تاء التانيث التي تعتبر لنا جواز سفر للضعف والاحتياج والانهزام مرة.. تماشيا مع طبيعة الإنسان.
كنت أعتقد أن الطفولة مرحلة لا يبقى منها سوى ذكريات تمحى مع الوقت لكنني أدركت بعد سنوات عديدة بأنها هي المرحلة التي لا تنسى.. وأنها ترافقنا بكل مراحلنا الآتية دون أن ندرك ذلك.. فإن كانت محملة بالخوف سنكبر ونحن محاطين بقدر كبير من الخوف.. وإن كانت محطة من الأمان والاستقرار النفسي لا يمكن للحياة أن تضعفنا إلا بالقدر الذي تقوينا به.. فالحياة عادلة إن لم نظلم أنفسنا.
كبرت وأنا بداخلي مشاعر الخوف والتمرد على كل مقومات الحياة الطبيعية كالضعف والاحتياج وتقبل الرأي الآخر والرجولة التي يجب ألا تتعارض مع طبيعتنا كبشر بعيداً عن الرجل والمرأة.
وعندما أصبحت «أباً» وجدت نفسي أعيد مراحل طفولتي من جديد مع أطفالي الذكور وأعزز لديهم مفاهيم رجولة زائفة وامنع حقهم بالخوف وتقبل الضعف والاحتياج للمرأة كأم وأخت وزوجة.. وقدرتهم بالتعبير عن مشاعرهم الطبيعية دون أن يكون ذلك انتقاصاً من رجولتهم.. فالرجولة المتعافية من فكر وعادات هي مساحة من الطمأنينة كلما ابتعدت عنا كلما زادت غربتنا عن الحياة.
أدركت متأخراً أن الرجل لا يمكنه أن يتخلى عن طفولته أبداً.. وأن تلك المشاهد والمشاعر التي عاش بها لن يمحيها الوقت.. ستبقى عالقة بثنايا النفس يستعيدها عندما يصبح رجلاً ليتكتشف بأنه ترك مفاهيم الرجولة الحقيقية عند أعتاب سريره وهو يرتجف خوفاً ولا يمتلك الجرأة ليعود لحضن أمه وهو لا يمتلك حق الانهزام مرة والضعف مرات والاحتياج للآخر.
تلك الطفولة بكل مراحلها هي نحن وإن كبرنا.. وكم هناك طفولة أصدرت أحكاماً مؤجلة بالحزن والانكسار والفشل بسنوات العمر كلها فقط لأنها لم تكن منصفة لنا ولم تمنحنا الفرصة لنحيا بكل تناقضات الإنسان الطبيعية كي نتقبل فكرة الحياة والآخرين وحقوقهم بأن لا نكون بأيامهم ألماً وتجربه لو عاد بهم الزمن لا يكررون خوضها من جديد.