وللتذكير والتأكيد فإن الحديث عن جوليان أسانج ليس بعيدا عن مقاومتنا الباسلة في غزة وعما يدور في منطقتنا كجزء من النضال العالمي المشترك ضد الهيمنة الاميركية الباغية،اذ ما زالت الولايات المتحدة وحدها من بين جميع الدول ووسط مشاغلها الهائلة للحفاظ على سيطرتها كقطب أوحد، تلاحق هذا الرجل الأعزل وتريد القبض عليه «حياً او ميتاً»،وكل ذنبه أنه بملايين وثائق الويكيليكس السرية التي كشفها وسرّبها للصحافة العالمية قد عرّاها امام الخلق جميعاً اذ فضح خطاياها وجرائمها التي ارتكبتها في الكثير من بلاد الدنيا وكان أبرزها مطلع القرن الحالي احتلال افغانستان عام ٢٠٠٢ لأكثر من عشرين عاماً بتهمة ملفقة تقول بانها وراء هجمات ١١ايلول على برجيْ نيويورك، ثم كانت حربها العدوانية الآثمة على شعب العراق عام ٢٠٠٣،ومن أشهر آثامها خلال تلك الحرب ما ارتكبته في سجن ابو غريب من افعال منحطّة يندى لها جبين البشرية، ولا ننسى كذلك قط انها في وضح النهارقام جيشها متعمداً بقتل الصحفيين في بغداد بإطلاق النار عليهم من الهيلوكوبتر التي كانت تحلق فوقهم وهي تعرف مهنتهم جيدا،تماما كما تفعل إسرائيل اثناء عدوانها على غزة منذ أكثر من ستة أشهر ولنفس الهدف وهو إخفاء الحقائق عن الرأي العام ومنع وصول المعلومات للإعلام.
من ناحية أخرى،لقد بات جليّاً ومدعاةً للفخر انه كلما زاد تضييق اميركا على أسانج تحركت قوىً مناضلة جديدة للدفاع عنه والمطالبة بإطلاق سراحه، ولا أكتمكم حيال ذلك باني كنت أخجل حين لا أرى بين تلك القوى أيًا من مؤسساتنا ذات العلاقة كنقابات الصحافيين ومراكز الدراسات الثقافية والقانونية والإعلامية أو هيئات حقوق الانسان أو اتحاد المحامين العرب وسواها! ولا تقنعني لتبرير هذا التقاعس حجج واهية كالانشغال بقضايانا الخاصة،على أهميتها وأولويتها، او القول بعدم التدخل في شرعية قرارات المحاكم وبان سلطة القضاء مستقلة هكذا تجريدياً! وفي رأيي المتواضع ان معارك الحرية المشتركة كل لا يتجزأ، وأي تهاونٍ في هذا الفهم سوف يصب في مصلحة اعداء الحرية الذين يسعون الان وبشدة لتفتيت وحدة النضال العالمي وإضعاف قواها خصوصا مايتعلق منها بالتضامن المتنامي مع المقاومة الفلسطينية،ومن ثم اختراقها لتخريبها بالكامل،وتجارب التاريخ القديم منها والحديث مليء بالأمثلة الدالّة على ذلك.
في اواخر الشهر الماضي كانت زوجة أسانج تتحدث بصبر وصلابة في مظاهرة في لندن تطالب بفك أسر زوجها بعد ان أمضى خمس سنوات في سجن انفرادي تنفيذا لحكم محكمة بريطانية(وهو الاسترالي الجنسية) في قضية قدمتها ضده السلطات الاميركية،وكان قد قضى خمساً قبلها لاجئاً في حضن سفارة جازفت فآوته وتحملت غضب الامبراطورية العظمى! وها نحن نجده اليوم مهدداً من قبل نفس المحكمة بترحيله وتسليمه لواشنطن دون اي ضمانات بالمحافظة على حياته حيث ينتظره هناك حكم بالموت كجزء من سياسات النيكرو -پوليتكس الامريكية التي لا يحرمها الكونغرس والتي تنتهجها دولة اخرى هي إسرائيل ضد الفلسطينيين حتى لو كانوا من مواطنيها (!) وبوسائل مختلفة، او نجده (أي أسانج)مهدداً بحكم بالسجن مدى الحياة لكن من دون التعهد على الأقل بعدم حرمانه من حق التعبير وبالبقاء على اتصال بالصحافة الدولية!
وبعد..يا جوليان أسانج،وأنت في محبسك الكئيب، لا أملك إلا أن أناشدك التمسك بالأمل من اجل صمودك امام كل هذه الضغوط النفسية،والى ان يبزغ فجر حريتك..انحني احتراماً لما فعلت وانجزت وتحملت في معركة الويكيبيديا..وأقدم اعتذاري نيابة عمّن قصّروا!