يا للعار على اوروبا بهذه الغضبة الغضنفرية الجوفاء التي هزّت تسعًا من حكوماتها الكبيرة العريقة الى درجة انها اصطفت وراء اميركا وأعلنت تعليق مساعداتها المالية الثابتة لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين عقاباً لها ولجميع المستفيدين من خدماتها الانسانية، ما يشكل مخالفة لكل الشرائع والقوانين ويسهم في جريمة الإبادة الجماعية التي تراقبها وتتابعها في غزة الان محكمة العدل الدولية..واستناداً على ماذا فعلت اوروبا ذلك؟ على ادعاء إسرائيل بان عشرة من موظفي الوكالة الفلسطينيين (البالغ عددهم ١٢-١٣ ألفاً) اشتركوا مع المقاومة ?لفلسطينية (حماس) في انتفاضتها الباسلة على الاحتلال يوم السابع من اكتوبر الماضي، رغم ان المفوض العام لهذه الوكالة الدولية أعلن انه وحسب الأصول المتبعة حوّل القضية إلى رئاسة المنظمة الدولية في نيويورك للتحقيق فيها!ثم، ما الضير في هذه المشاركة الوطنية؟ هل هانت اوروبا وخانت مبادئها التاريخية إلى حد التنكر مثلاً لبطولات المقاومة الفرنسية التي تصدت لقوات هتلر الغازية في الحرب العالمية الثانية؟ والمفارقة الصارخة هنا ان مقتل مايقرب الان من سبعة وعشرين ألف فلسطيني بينهم نسبة كبيرة من النساء والأطفال لم يحرك ضمير تل? الحكومات ولو لمجرد الاحتجاج على ذلك وعلى سواه من الجرائم التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي يوميا في قطاع غزة،في الوقت الذي لا تتوقف شعوب اوروبية عديدة عن التظاهر اسبوعياً مؤيدةً للحق الفلسطيني في المقاومة،ومطالبةً بوقف المجزرة الاسرائيلية في غزة وبالحرية لفلسطين من ربقة اطول احتلال في التاريخ الحديث!
اننا نعرف ونعترف بالصفحات البيضاء من تاريخ اوروبا حيث أمجادها في العلوم والمعارف وفي مقدمتها الفلسفات الحديثة التي مازالت تنير دروب البشرية في كل مكان،وروائع الموسيقى الكلاسيكية التي أبدعها بيتهوفن وموتزارت وباخ ورفاقهم فأذهلت بالإعجاب كل من سمعها حول العالم، وعبقرية أدبائها من أمثال شيكسبير وهوغو وروسو والقائمة تطول،لكننا لا نملك إلا أن نتذكر ايضا نفاق هذه الحكومات الاوروبية الغربية وتنكرها للقيم الأخلاقية السامية التي كانت تدعيها لنفسها حين تتعامل مع شعوب مستعمراتها كخدمٍ وعبيد،سواء في منطقتنا أو غيرها ف? آسيا وافريقيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية حيث كانت تنهب بجشع لا حدود له ثرواتها الهائلة وتسبب لأهلها الفقر والتخلف والخراب الاقتصادي، وأن نتذكر جيدا ان تلك الحكومات نفسها وهي تواجه غزو المانيا النازية في الحرب العالمية الثانية،كانت تخون سرا حليفاتها فتتعامل من وراء ظهرها مع شركات ألمانية استراتيجية كبرى (كروب للحديد والصلب مثلًا) !وأيضا حسب وثائق سرية افتضح امرها لاحقًا وفي سبيل التخلص من مشكلة اليهود والتمييز ضدهم،وقد سميت آنذاك «المسألة اليهودية «المستعصية على الحل،وتغطية ًعلى التواطؤ الخفي بين هيئات صه?ونية في اوروبا وبين الغستابو الالماني،كانت تلجأ لتضخيم اخبار المحرقة بقصد ارهاب الناجين ودفعهم للهجرة على متن سفن جاهزة تنقلهم الى فلسطين لإقامة المشروع الاستيطاني الاستعماري المتمثل بدولة إسرائيل!
وبعد..فهذه هي اوروبا التي تبيع اليوم بثمن بخس قيماً عظيمة مازالت البشرية وبضمنها شرائح عريضة من شعوبها تتمسك بها وتقدسها، وذلك انصياعًا للحليفة الكبرى اميركا قائدة حلف الأطلسي (واقتصاد السوق)،وليس بالطبع مسايرةً للحكومة الالمانية في معاناتها المزمنة من عقدة الذنب وما يصاحبها من ابتزاز لا ينتهي بل ارضاءً لإسرائيل حد تغيير القوانين الأساسية لجعل مجرد انتقاد حكومتها جريمةً لها عقوبات، والنضال التحرري الوطني ذنبا عظيما تُحرم مقارفته!