إنّها نوايا إبادة ثقافيّة... لا أقلّ!

إنّها نوايا إبادة ثقافيّة... لا أقلّ!
حازم صاغية
أخبار البلد -  

ربّما كان مقبولاً، في حالة حرب وطنيّة، أن تُضبط الحياة الثقافيّة على مصالح الحرب. هكذا، واستثنائيّاً فقط، ولمدّة زمنيّة محدّدة، قد تُمنع بعض التعابير التي يُشتمّ منها ما يفيد الطرف الذي يحارب الوطن وشعبه.

لكنّ الواضح تماماً أنّ ما يعيشه لبنان ليس حالة حرب وطنيّة. إنّه حرب يشنّها طرف محدّد من السكّان فيما ترفضها الأطراف الأخرى التي تشكّك بجدواها وأغراضها وبالقوّة التي تخوضها. أبعد من ذلك، يذهب هؤلاء النقّاد إلى أنّ تلك الحرب نفسها مشبوهة، تستهدفهم هم وتستهدف إخضاعهم بذريعة اشتباكها مع إسرائيل.

وعدم الإجماع هذا لا يقتصر على مجموعة ضئيلة ومعزولة من السكّان يمكن اتّهامها بالعمالة والخيانة وسوى ذلك، كما أنّه ليس تعبيراً عن انقسام إيديولوجيّ، كالذي عرفته فرنسا إبّان الاحتلال النازيّ، تحتلّ فيه الأفكار والمصالح (وهي بطبيعتها قابلة للتغيّر) موقعاً مركزيّاً. ذاك أنّنا، في لبنان، أمام انشطار أهليّ ثوابته أكبر كثيراً من متغيّراته، وهو لا يُعالَج إلاّ بواحد من اثنين: إمّا التسوية التي باتت مستبعَدة جدّاً في ظلّ استفحال الطرف المسلّح وحواشيه، وإمّا الحرب على الطرف الأهليّ (الدينيّ أو الطائفيّ أو الإثنيّ) الآخر، غير المسلّح، إن لم يكن مادّيّاً فعلى ميوله ورغباته الجمعيّة والطريقة التي اختارها لحياته. وبهذا المعنى فإنّ الميل إلى فرض وجهة نظر معيّنة على باقي المجتمع إنّما ينمّ عن ميل إباديّ، أو أقلّه نيّة إباديّة لطريقة في الحياة، نيّةٍ تبقى القدرةُ على تنفيذها وجعلها إبادة مادّيّة رهن الظروف والإمكانات المتاحة للطرف الإباديّ.

فليس غريباً، والحال هذه، أن يترافق حدثان ينمّ تلازمهما عن حجم الانشقاق الأهليّ، وبالتالي عن ضحالة الكلام على معركة وطنيّة جامعة وزيفه:

* منعٌ عمليٌّ، من خلال التخويف، لمسرحيّة وجدي معوّض «وليمة عرس عند رجال الكهف» التي كان يُفترض عرضها في منطقة مناهضة لحرب «حزب الله». أمّا الذريعة المعهودة، وهي أنّ معوّض «تطبيعيّ»، أي أنّه يرفض رؤية العالم بوصفه حرب بسوس دائمة ومطلقة، فأضيفت إليها ذريعة لا تقلّ تهافتاً هي موقف ألمانيا من الحرب على غزّة وتداعياتها!

* أجواء نزاع أهليّ بين اللبنانيّين آخرُ تعابيره اللغة التي رافقت مقتل المسؤول في «القوّات اللبنانيّة» باسكال سليمان، إن لم يكن القتل نفسه. وللتذكير، فإنّ بيئة «القوّات اللبنانيّة» هي تحديداً البيئة التي تتعرّض، ومنذ وقت لم يعد قصيراً، لاتّهامات التخوين وأعمال الاغتيال.

فانعدام الإجماع لا يدفع إذاً إلى البحث عن تسويات مع «شركاء الوطن»، بل إلى مزيد من إذلالهم بأن يُفرض عليهم ما لم يختاروه ممّا يرونه تهديداً لهم واعتداءً على خياراتهم. وهذا عملاً بمنطق الحرب الأهليّة وبِنِيّة الإخضاع الكامنة وراءها. ففي سياق كهذا يتمدّد الطرف المسلّح ليقضم الحياة الثقافيّة، وهذا مع العلم بأنّ كافّة التجارب التي نعرفها تقول إنّ مقصّ الرقابة النضاليّة لن يقف عند معوّض. فقد لا يكون مقبولاً، بعد اليوم، أن يشهد اللبنانيّون فيلماً لستيفن سبيلبرغ، أو يقرأوا كتاباً ليورغن هابرماس، ناهيك عن مئات أسماء الفلاسفة والمبدعين الذين لا يروقون للدائرين في فلك الممانعين.

والراهن أنّ الفئة العريضة المقهورة في لبنان ترى، وتقول، إنّها اختارت الانفتاح غير المحدود على الإنتاج الثقافيّ بوصفه جزءاً من ثقافتها ومن هويّتها، بل جزءاً من تصوّرها لمعنى الوطن ذاته. وهذا امتداد لتقليد يرقى إلى عشرات السنين عرف خلالها اللبنانيّون أحسن أيّامهم، وتعرّفوا فيها إلى العالم، كما أنتجوا أفراداً، كوجدي معوّض، صار بعضهم مبدعين على نطاق كونيّ.

أمّا الفئة العريضة القاهرة فلم يُعرف عن الناطقين بلسانها دفاع واحد عن كتاب مُنع أو عن مسرحيّة أو فيلم خُنقا. وهي لئن كان ولعها بالمنع جزءاً من تكوينها الذهنيّ والنفسيّ، فهذا أيضاً امتداد لتقليد يرى مثالاته في «منارات» ما يُعرف بـ «التحرّر الوطنيّ» أنظمةً أمنيّةً ووشايات وسجوناً واغتيالات. ومعروفٌ عن هذا التقليد المدجّج بالسلاح مدى رعبه من كلّ تعبير ثقافيّ يجافي هواه ولا يردّد ببغائيّاته المضجرة القاحلة.

بيد أنّ النوايا والمحاولات الإباديّة التي تتعرّض لها ثقافة بعينها تجد، للأسف، ما يدعمها في الأعمال العنصريّة المشينة التي يُنزلها بعض اللبنانيّين بحقّ اللاجئين السوريّين، وهذا فيما المرتكبون هؤلاء يزعمون الانتماء إلى اللبنانيّة التي تتعرّض للإخضاع والمهانة. فكأنّما اختار بعض المظلومين، بجبن وخسّة، أعداءً لهم يكونون أضعف منهم وأشدّ منهم تعرّضاً للظلم وللقهر.

على أيّة حال، يتبدّى اليوم أنّ من يريدون بلداً حرّاً، أكانوا أطرافاً أهليّة أو مثقّفين ومبدعين، محاصَرون مثلهم مثل فكرة ذاك البلد. ويُستحسن بالمثقّفين منهم، ممّن يريدون أن لا يقتصر التصدّي على «حزب طائفيّ»، أن يتفضّلوا، هم أيضاً، ويدافعوا عن الحرّيّات الثقافيّة. ذاك أنّ الممنوع والمرشّح للمحو ليس مسرحيّة أو كتاباً فحسب. إنّه لبنان الغنيّ بخياراته والمتعدّد والحرّ نفسه.

شريط الأخبار الأردن يرحب بقرار إلغاء العقوبات المفروضة على سوريا بموجب قانون قيصر وفيات الجمعة 19 - 12 - 2025 الاتحاد الأردني لكرة القدم يعلن موعد عودة النشامى إلى عمان الذهب يسجّل أعلى مستوى له في التاريخ الأمن العام: خذوا تحذيراتنا على محمل الجد... الشموسة أداة قتل أجواء باردة في أغلب المناطق.. وتحذيرات من تدني مدى الرؤية الأفقية البوتاس العربية" تهنّئ المنتخب الوطني لكرة القدم بحصوله على لقب وصيف كأس العرب الملكة تشكر النشامى.. "أداء مميز طوال البطولة" الملك يشكر النشامى.. "رفعتوا راسنا" «لدورهم في 7 أكتوبر»... تحركات إسرائيلية لإعدام 100 من عناصر «القسام» وزير التربية: إرسال مسودة قانون وزارة التعليم وتنمية الموارد البشرية لمجلس النواب الشهر المقبل المنتخب الوطني وصيفا في كأس العرب بعد مشوار تاريخي دور شراب الشعير في علاج حرقة البول مجمع الضليل الصناعي خبران هامان عن الشقاق وحمد بورصة عمان تغلق على ارتفاع بنسبة 0.56 % الأردن على موعد مع الانقلاب الشتوي الأحد المقبل وزير المالية: النظر في رفع الرواتب خلال موازنة 2027 صوت الأردن عمر العبداللات يمثل الأردن في ختام بطولة كأس العرب 2025 "شركة التجمعات الاستثمارية" لغز الاقالة سيعيد الشركة للمربع الأول مبادرة "هَدبتلّي" تصنع الفرح في الشارع الأردني وبين الجمهور والنوايسة: الشماغ رمز أصيل للهوية الوطنية يعكس لباسه معاني الشموخ