من يوم إلى يوم تزداد محددات الحرب الإسرائيلية وضوحا
أمام جميع الأطراف ، وتزداد معها القناعة بأن ثمة حدودا لا يمكن تجاوزها في نهاية
المطاف ، لقد أصبحت الكلفة باهظة جدا ، وإن كانت فظيعة ومؤلمة بالنسبة للشعب
الفلسطيني بصفة عامة ، وأهل غزة بصفة خاصة ، ومهما حاول الجانب الإسرائيلي تصوير
قدراته التدميرية ، وحرب الإبادة التي يمارسها على أنها تعبيرعن قوته الفائقة ،
إلا أن عددا غير قليل من رموزه السياسية والعسكرية والأمنية باتوا يدركون حجم
الخسائر التي يتكبدها في ميادين القتال ، وعلى المستوى الداخلي بنيويا واجتماعيا
واقتصاديا ، فضلا عن الانقلاب الكبير في مواقف معظم دول وشعوب العالم تجاه إسرائيل
بعد أن تكشفت جرائم الحرب والفصل العنصري التي مورست دون أدنى اعتبار للمواثيق
والمعاهدات الدولية وحقوق الإنسان .
حاول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتياهو وضع محددات
أولية لحربه على غزة على شكل أهداف تتمثل في القضاء على المقاومة الفلسطينية في
غزة ، واستعادة الأسرى ، وفرض واقع جديد يجعلها تحت السيطرة الأمنية التامة ، لكنه
لم يتمكن على مدى ستة أشهر من تحديد موعد نهائي لتحقيق تلك الأهداف ، مع أنه قد
وعد قادة الدول الحليفة له ولمؤيديه بأن ينجز المهمة في عضون ثلاثة أشهر ، والآن
يواجه معهم جميعا مسألة تجاوز الحدود بالذهاب إلى رفح !
الإدارة الأمريكية وهي تستعد للانتخابات المقبلة بدأت
تدرك المحددات والحدود ، ومن خلال التزامها الأكيد وغير القابل للنقاش لم يعد
بإمكانها تجاهل ردود الأفعال العالمية ، بما فيها الرأي العام الأمريكي ، ولا بد
أنها تشعر بالقلق بشأن حظوظ فوز الرئيس بايدن الذي يتعرض لانتقاد المحتجين على
سياسته إزاء مساندته لإسرائيل في حربها على غزة خلال حملاته الانتخابية ، وليس
أمامه الآن إلا أن يتحدث إلى الجانب الإسرائيلي على أساس (مبدأ الحدود) التي يتوجب
الوقوف عندها قبل أن تخرج التطورات عن السيطرة ، وتتسع دائرة الصراع لتصبح بلا
حدود .
يحق لنا في الأردن أن نرى الأمور من الزاوية التي أراد
جلالة الملك عبدالله الثاني أن ينظر قادة العالم من خلالها إلى أصل ومحددات هذا
الصراع ، وهي محددات ستبدو واضحة جدا حين يرد الاعتبار لقرارات الشرعية الدولية
التي تقر بأن إسرائيل تحتل أراضي الغير ( الضفة والغربية وغزة ) منذ العام 1967 ،
وأن جميع الإجراءات التي اتخذتها من ضم وتهويد واستيطان ، واعتبار القدس عاصمة
موحدة لها هي إجراءات باطلة بحكم القانون الدولي ، وأن الحل يكمن بإنهاء ذلك
الاحتلال بصورة تامة ، وبإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على هذه الأراضي بعاصمتها
القدس الشريف.