بسم الله الرحمن الرحيم
كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟!
منتصر بركات الزعبي
الحَمدُ للهِ الذي حرَّمَ الظُلمَ على نفسِهِ ، وجَعَلَهُ بينَ عِبَادِهِ مُحَرَّمًا ، فقالَ على لِسَانِ نبيِّه: (يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا) وتوعَّدَ الظَّالِمين باللعنَةِ والعذابِ الأليمِ فِي الدُّنيا والآخرةِ ويومَ يقومُ الأشهادُ ، يُمْهِلُ للظالِمين ثمَّ يأخُذهُم أخذًا أليمًا.
عنْ ابنِ عُمرَ – رضي الله عنهما – قالَ : قالَ : رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – : (اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )هذهِ وصيَّةُ حبِيِبنَا رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحذِّرُنا مِنْ ظاهِرةٍ سُلوكيَّةٍ خطيرةٍ ألا وهي الظلمُ وعاقِبَتُهُ ، والتي أصبَحتْ واضحةَ المعالمِ في مُجْتَمعضِنا تُنْذِرُ بالخطرِ، ويأمُرُنا أنْ نتقيَهُ بالخوفِ مِنَ اللهِ تعالى وبمُراقَبَتِهِ في السرِّ والعلَن . نتقَيه بالآيمانِ العميقِ والضميرِ الصَّاحِي ،فالظَّالِمُ ظالمٌ لنفسِهِ أولاً ، حينَ عرَّضّهّا لِسَخطِ اللهِ وشدَّةِ بأسِهِ وأليمِ عِقَابِهِ ،وحمَّلَها ما لا تُطِيقُ ،والظَّالمُ خاسرٌ للدَّارين ،قالَ تَعالَى : (وقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلمًا )
اللهُ تعالى يلفتُ أنضَارَنا إلى عاقبةِ الظالِمين ،الذينَ أبادَهُمْ وكسرَ ظهورَهم وخيَّبّ آمالَهُم قالَ اللهُ تعالى ): وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44 (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)[إبراهيم]
وعن أبي مُوسَى – رضِي اللهُ عنْهُ – قالَ : قالَ : رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - : ) إنَّ اللهَ يُملِي للظَّالمِ حتى إذا أخَذَهُ لمْ يُفْلِتْهُ ) ثم قرأ قولَهُ تعالى :( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102هود)
وعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله – صلى اللله عليه وسلم - : "أَلاَ تُحَدِّثُونِى بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ". قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِى وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ"، أخرجه ابن ماجة.
وهذا ما أخبَرَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ بِه:{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، (يس: 65). إنَّهَا مَظلَمَةٌ لعجوزٍ فِي الحَبِشَةِ، فكمْ مِنْ المظالِمِ خَفِيَتْ عَليْنَا أخبَارُها أو أُخْفِيَتْ.
صَدَقتَ يا رَسُولَ اللهِ ، كيفَ يقدِّسُ اللهُ قومًا ضاعَ الحقُّ بينَهُم ؟ إذا سرقَ فِيهم الشربفُ تركُوه أو برَّؤه ،وفي الصُحُفِ هنَّؤوه ، وعلى قائِمةِ الشَرفِ كَتبُوه ، وفي أعلى المناصِبِ عيَّنُوه ، وإذا سَرَقَ فِيهم الضَّعِيفُ سَجنُوهُ وَعَذبُوه ، ومِنْ حُسْنِ السُلوكِ مَنَعُوه .
كيفَ يُقدِّسُ اللهُ قومًا اختلَّ مِيزانُ العدالةِ بَيْنِهُم ،وهَضَمُوا حقوقَ الضُعَفَاءِ؟ يُرْوَى أنَّهُ لمَّا حُبِسَ خالدُ بنَ برمكٍ وولدُهُ ، قالَ لهُ : ( يا أبتِ بعدَ العِزِّ صِرْنَا فِي القيْدِ والسِّجنِ ؟ فقالَ : يا بُنَيَّ لعلَّهَا دعوةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِليْلٍ غَفِلْنَا عَنْهِا ولمْ يِغْفَلِ اللهُ عَنْهَا )
قالَ بعضُ العارِفِين : رأيتُ رجلاً مقطوعَ اليدِ مِنَ الكتفِ ، و هو يُنَادِي : مَنْ رآني فلا يظلمَنَّ أحدًا . فتقدَّمتُ إليهِ فقلتُ لهُ : يا أخِي : ما قصَّتُكَ ؟ قالَ : يا أخي قِصَّةٌ عجيبةٌ ،وذلك أنِّي كُنْتُ مِنْ أعوانِ الظلمةِ ، فرأيتُ يومًا صيادًا، وقدْ اصطادَ سمكةً كبيرةً فأعجبتنِي ، فجئتُ إليِّه فقلتُ : أعطِنِي هذهِ السمَكَةَ .فقالَ : لا أعطيكَها ،أنَا آخذُ بثمنِها قوتًا لِعِيَالِي ،فَضَرَبْتُهُ و أخذتُها مِنْهُ قهرًا ، ومضيتُ بها قالَ : فبينا أنا أمشِي بها حاملها ،إذ عَضَتْ على إبهامِي عضةً قويةً ،فلمَّا جئتُ بها إلى بَيْتِي و ألقيْتُها مِنْ يدي، ضربت علىَّ إبهامي- التهب - وآلمتني ألمًا شديدًا حتى لمْ أنَمْ مِنْ شِدَّةِ الوجعِ والألمِ ، ووَرِمَتْ يدي ،فلمَّا أصبحتْ أتيتُ الطبيبَ وشكوتُ إليْهِ الألمَ .فقالَ : هذهِ بدءُ الآكلةِ (الغرغرينة) اقْطَعْهَا وإلّا تُقْطَعُ يدُك .فقُطِعَتْ إبهامِي ، ثمَّ ضرَبَتْ على يَدِي ، فَلَمْ أطِقْ النومَ ولا القرَارَ ،مِنْ شِدَّةِ الألمِ .فَقِيل لِي : اقطع كفَّك ،فقطعتُه ، وانتشرَ الألم ُإلى الساعدِ وآلمَنِي ألمًا شَديدًا ، ولمْ أطِقْ القرارَ ، وجعلتُ أستغيثُ مِنْ شِدَّةِ الألمِ .فقِيلَ لِي: اقطعْها إلى المِرْفَقِ ، فقطعتُها فانتشرَ الألمُ إلى العَضُدِ ، وضَرَبَتْ عليَّ عَضُدِي أشدّ منَ الألمِ الأولِ . فقِيل : اقطعْ يدكَ مِنَ كتفِك وإلَّا سرى إلى جسدِكَ كلِّه فقطعْتُها .فقالَ ليَ بعضُ الناسِ : ما سببُ ألَمِكَ ؟ فذكرْتُ قصَّةَ السمَكَةِ ،فقالَ ليَ : لو كنتَ رجعتَ في أولِ ما أصابكَ الألمُ إلى صاحبِ السمكةِ واستحللتَ مِنْهُ وأرضيتَهُ لما قَطَعْتَ مِن أعضائِكَ عُضوًا، فاذهبْ الآنَ إليهِ واطلبْ رِضاهُ قبلَ أنْ يصِلَ الألمُ إلى بدَنِكَ .قالَ : فلمْ أزلْ أطلبُهُ في البلدِ حتى وجدتُهُ فوقعتُ على رجليْهِ أقبلُهَا وأبكِي وقلتُ لهُ : يا سَيدِي سألتُكَ باللهِ إلَّا عَفَوتَ عنِّي فقالَ لِي : و مَنْ أنتَ ؟ قلْتُ : أنا الذِي أخذتُ مْنْكَ السمَكَةَ غَصْبًا ، وذكَرْتُ ما جَرَى ، وأريْتَهُ يَدِي فبكَى حينَ رَآها ثمَّ قالَ : يا أخِي قدْ أحللتُكَ مِنْهَا لمَّا قدْ رأيتُه بكَ منْ هذا البلاءِ .فقلتُ : يا سَيِّدي باللهِ هلْ كنتَ قدْ دعوتَ عليَّ لمَّا أخذتَها ؟ قالَ : نعمْ ، قلتُ : اللهُم إنَّ هذا تقَوَّى عليَّ بِقُوَّتِهِ على ضَعْفِي على ما رزَقْتَنِي ظُلمًا فأرِنِي قُدرَتَك فِيهِ .فقلتُ : يا سَيدِي قدْ أراكَ اللهُ قدْرَتَهُ فيَّ و أنا تائبٌ إلى اللهِ عزَّ و جلَّ عمَّا كنتُ عليهِ منْ خِدْمَةِ الظلمةِ ، ولا عُدْتُ أقفُ لهمْ على بابٍ و لا أكونُ منْ أعوانِهم ما دمتُ حيًّا إنْ شاءَ اللهُ .
ومنْ أعظمِ الظُلمِ أنْ تُظلَمَ المرأةُ حقَّهَا مِنْ صدَاقِهَا ، ونفقتِها وكُسْوتِها وإرثِها وأنْ يُعْتَدَى عليْها بالضربِ والحبسِ واللعنِ ، عَنِ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه – قالَ : (يؤخذُ بيدِ العبدِ أو الأمةِ يومَ القيامةِ فَيُنَادَى بِهِ على رؤوسِ الخلائقِ هذا فلانٌ ابنُ فلانٍ مَنْ كانَ لهُ عليه حقٌ فليأتِ إلى حقِّهِ . قالَ : فتفرحُ المرأةُ أنْ يكونَ لها حقٌّ على أبِيها أو أخِيها أو زوجِها ، ثمَّ قرأ "فلا أنسابَ بيْنَهُم يومئذٍ ولا يتساءلون" قالَ : فيغفرُ اللهُ مِنْ حقِّه ما شاءَ ولا يغفرُ مِنْ حقوقِ الناس شيئًا فَيُنْصَبُ العبدُ للناسِ ، ثمَّ يقولُ اللهُ تعالى لأصحابِ الحقوقِ : ائْتوا إلى حقوقِكُم ، قالَ : فيقولُ اللهُ تعالى للملائكةِ خُذوا مِنْ أعمالِهِ الصالحةِ فأعطوا كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه ، بقدرِ طِلْبَتِه ، فإنْ كانِ وليًا للهِ وفَضُلَ لَه مثقالَ ذرةٍ ضاعفَها اللهُ تعالى لهُ ، حتى يُدخِلَه الجنَّةَ بها، وإنْ كانَ عبدًا شقيًا ولمْ يفضُلْ لَه شيءٌ ، فتقولُ الملائكةُ ربَّنا فَنِيَتْ حسناتُهُ ، وبقِي طالبُوه فيقولُ اللهُ خذوا منْ سيِّئاتِهم فأضِيفُوها إلى سيِّئاتِه ثمَّ يُصَكُّ لهُ صكًّا إلى النَّارِ )قال – صلى الله عليه وسلم – : (مَنْ حَرَمَ وَارِثًا حَرَمَهُ اللهُ مِنْ مِيْرَاثِ السَّمَاءِ ولَو كانَ شِبْرًا مِنْ أرضٍ )وقالَ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – : (مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ أرْضٍ طوَّقَهُ اللهُ مِنْ سَبعِ أرْضِين)
ويؤيِّدُ ذلك ما جاءَ مِنْ قولِ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليِه وسلَّم -(أَتدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار)ِخرجه أحمد .
فإنْ كنَّا نريدُ الاستقرارَ والبرَكَةَ والنمُّوَ والتطوُّرَ والازدِهارَ ، فإنَّ هذا كلَّهُ مرتبطٌ بِرفعِ الظُلْمِ، وإعادةِ الحقُوقِ، والانتصارِ للمظلومِ والضعيفِ، وإقامةِ العدلِ .
Montaser1956@hotmail.com
كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟!
منتصر بركات الزعبي
الحَمدُ للهِ الذي حرَّمَ الظُلمَ على نفسِهِ ، وجَعَلَهُ بينَ عِبَادِهِ مُحَرَّمًا ، فقالَ على لِسَانِ نبيِّه: (يا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فلا تَظَالَمُوا) وتوعَّدَ الظَّالِمين باللعنَةِ والعذابِ الأليمِ فِي الدُّنيا والآخرةِ ويومَ يقومُ الأشهادُ ، يُمْهِلُ للظالِمين ثمَّ يأخُذهُم أخذًا أليمًا.
عنْ ابنِ عُمرَ – رضي الله عنهما – قالَ : قالَ : رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – : (اتَّقُوا الظُّلْمَ ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )هذهِ وصيَّةُ حبِيِبنَا رسولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يُحذِّرُنا مِنْ ظاهِرةٍ سُلوكيَّةٍ خطيرةٍ ألا وهي الظلمُ وعاقِبَتُهُ ، والتي أصبَحتْ واضحةَ المعالمِ في مُجْتَمعضِنا تُنْذِرُ بالخطرِ، ويأمُرُنا أنْ نتقيَهُ بالخوفِ مِنَ اللهِ تعالى وبمُراقَبَتِهِ في السرِّ والعلَن . نتقَيه بالآيمانِ العميقِ والضميرِ الصَّاحِي ،فالظَّالِمُ ظالمٌ لنفسِهِ أولاً ، حينَ عرَّضّهّا لِسَخطِ اللهِ وشدَّةِ بأسِهِ وأليمِ عِقَابِهِ ،وحمَّلَها ما لا تُطِيقُ ،والظَّالمُ خاسرٌ للدَّارين ،قالَ تَعالَى : (وقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلمًا )
اللهُ تعالى يلفتُ أنضَارَنا إلى عاقبةِ الظالِمين ،الذينَ أبادَهُمْ وكسرَ ظهورَهم وخيَّبّ آمالَهُم قالَ اللهُ تعالى ): وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء (43) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44 (وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46)[إبراهيم]
وعن أبي مُوسَى – رضِي اللهُ عنْهُ – قالَ : قالَ : رسولُ اللهِ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - : ) إنَّ اللهَ يُملِي للظَّالمِ حتى إذا أخَذَهُ لمْ يُفْلِتْهُ ) ثم قرأ قولَهُ تعالى :( وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (102هود)
وعن جابر بن عبدالله – رضي الله عنه قالَ: قال رسول الله – صلى اللله عليه وسلم - : "أَلاَ تُحَدِّثُونِى بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ". قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ، فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللَّهُ الْكُرْسِىَّ، وَجَمَعَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الأَيْدِى وَالأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِى وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- : "صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لاَ يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ"، أخرجه ابن ماجة.
وهذا ما أخبَرَنَا اللهُ عزَّ وجلَّ بِه:{ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}، (يس: 65). إنَّهَا مَظلَمَةٌ لعجوزٍ فِي الحَبِشَةِ، فكمْ مِنْ المظالِمِ خَفِيَتْ عَليْنَا أخبَارُها أو أُخْفِيَتْ.
صَدَقتَ يا رَسُولَ اللهِ ، كيفَ يقدِّسُ اللهُ قومًا ضاعَ الحقُّ بينَهُم ؟ إذا سرقَ فِيهم الشربفُ تركُوه أو برَّؤه ،وفي الصُحُفِ هنَّؤوه ، وعلى قائِمةِ الشَرفِ كَتبُوه ، وفي أعلى المناصِبِ عيَّنُوه ، وإذا سَرَقَ فِيهم الضَّعِيفُ سَجنُوهُ وَعَذبُوه ، ومِنْ حُسْنِ السُلوكِ مَنَعُوه .
كيفَ يُقدِّسُ اللهُ قومًا اختلَّ مِيزانُ العدالةِ بَيْنِهُم ،وهَضَمُوا حقوقَ الضُعَفَاءِ؟ يُرْوَى أنَّهُ لمَّا حُبِسَ خالدُ بنَ برمكٍ وولدُهُ ، قالَ لهُ : ( يا أبتِ بعدَ العِزِّ صِرْنَا فِي القيْدِ والسِّجنِ ؟ فقالَ : يا بُنَيَّ لعلَّهَا دعوةُ مَظْلُومٍ سَرَتْ بِليْلٍ غَفِلْنَا عَنْهِا ولمْ يِغْفَلِ اللهُ عَنْهَا )
قالَ بعضُ العارِفِين : رأيتُ رجلاً مقطوعَ اليدِ مِنَ الكتفِ ، و هو يُنَادِي : مَنْ رآني فلا يظلمَنَّ أحدًا . فتقدَّمتُ إليهِ فقلتُ لهُ : يا أخِي : ما قصَّتُكَ ؟ قالَ : يا أخي قِصَّةٌ عجيبةٌ ،وذلك أنِّي كُنْتُ مِنْ أعوانِ الظلمةِ ، فرأيتُ يومًا صيادًا، وقدْ اصطادَ سمكةً كبيرةً فأعجبتنِي ، فجئتُ إليِّه فقلتُ : أعطِنِي هذهِ السمَكَةَ .فقالَ : لا أعطيكَها ،أنَا آخذُ بثمنِها قوتًا لِعِيَالِي ،فَضَرَبْتُهُ و أخذتُها مِنْهُ قهرًا ، ومضيتُ بها قالَ : فبينا أنا أمشِي بها حاملها ،إذ عَضَتْ على إبهامِي عضةً قويةً ،فلمَّا جئتُ بها إلى بَيْتِي و ألقيْتُها مِنْ يدي، ضربت علىَّ إبهامي- التهب - وآلمتني ألمًا شديدًا حتى لمْ أنَمْ مِنْ شِدَّةِ الوجعِ والألمِ ، ووَرِمَتْ يدي ،فلمَّا أصبحتْ أتيتُ الطبيبَ وشكوتُ إليْهِ الألمَ .فقالَ : هذهِ بدءُ الآكلةِ (الغرغرينة) اقْطَعْهَا وإلّا تُقْطَعُ يدُك .فقُطِعَتْ إبهامِي ، ثمَّ ضرَبَتْ على يَدِي ، فَلَمْ أطِقْ النومَ ولا القرَارَ ،مِنْ شِدَّةِ الألمِ .فَقِيل لِي : اقطع كفَّك ،فقطعتُه ، وانتشرَ الألم ُإلى الساعدِ وآلمَنِي ألمًا شَديدًا ، ولمْ أطِقْ القرارَ ، وجعلتُ أستغيثُ مِنْ شِدَّةِ الألمِ .فقِيلَ لِي: اقطعْها إلى المِرْفَقِ ، فقطعتُها فانتشرَ الألمُ إلى العَضُدِ ، وضَرَبَتْ عليَّ عَضُدِي أشدّ منَ الألمِ الأولِ . فقِيل : اقطعْ يدكَ مِنَ كتفِك وإلَّا سرى إلى جسدِكَ كلِّه فقطعْتُها .فقالَ ليَ بعضُ الناسِ : ما سببُ ألَمِكَ ؟ فذكرْتُ قصَّةَ السمَكَةِ ،فقالَ ليَ : لو كنتَ رجعتَ في أولِ ما أصابكَ الألمُ إلى صاحبِ السمكةِ واستحللتَ مِنْهُ وأرضيتَهُ لما قَطَعْتَ مِن أعضائِكَ عُضوًا، فاذهبْ الآنَ إليهِ واطلبْ رِضاهُ قبلَ أنْ يصِلَ الألمُ إلى بدَنِكَ .قالَ : فلمْ أزلْ أطلبُهُ في البلدِ حتى وجدتُهُ فوقعتُ على رجليْهِ أقبلُهَا وأبكِي وقلتُ لهُ : يا سَيدِي سألتُكَ باللهِ إلَّا عَفَوتَ عنِّي فقالَ لِي : و مَنْ أنتَ ؟ قلْتُ : أنا الذِي أخذتُ مْنْكَ السمَكَةَ غَصْبًا ، وذكَرْتُ ما جَرَى ، وأريْتَهُ يَدِي فبكَى حينَ رَآها ثمَّ قالَ : يا أخِي قدْ أحللتُكَ مِنْهَا لمَّا قدْ رأيتُه بكَ منْ هذا البلاءِ .فقلتُ : يا سَيِّدي باللهِ هلْ كنتَ قدْ دعوتَ عليَّ لمَّا أخذتَها ؟ قالَ : نعمْ ، قلتُ : اللهُم إنَّ هذا تقَوَّى عليَّ بِقُوَّتِهِ على ضَعْفِي على ما رزَقْتَنِي ظُلمًا فأرِنِي قُدرَتَك فِيهِ .فقلتُ : يا سَيدِي قدْ أراكَ اللهُ قدْرَتَهُ فيَّ و أنا تائبٌ إلى اللهِ عزَّ و جلَّ عمَّا كنتُ عليهِ منْ خِدْمَةِ الظلمةِ ، ولا عُدْتُ أقفُ لهمْ على بابٍ و لا أكونُ منْ أعوانِهم ما دمتُ حيًّا إنْ شاءَ اللهُ .
ومنْ أعظمِ الظُلمِ أنْ تُظلَمَ المرأةُ حقَّهَا مِنْ صدَاقِهَا ، ونفقتِها وكُسْوتِها وإرثِها وأنْ يُعْتَدَى عليْها بالضربِ والحبسِ واللعنِ ، عَنِ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه – قالَ : (يؤخذُ بيدِ العبدِ أو الأمةِ يومَ القيامةِ فَيُنَادَى بِهِ على رؤوسِ الخلائقِ هذا فلانٌ ابنُ فلانٍ مَنْ كانَ لهُ عليه حقٌ فليأتِ إلى حقِّهِ . قالَ : فتفرحُ المرأةُ أنْ يكونَ لها حقٌّ على أبِيها أو أخِيها أو زوجِها ، ثمَّ قرأ "فلا أنسابَ بيْنَهُم يومئذٍ ولا يتساءلون" قالَ : فيغفرُ اللهُ مِنْ حقِّه ما شاءَ ولا يغفرُ مِنْ حقوقِ الناس شيئًا فَيُنْصَبُ العبدُ للناسِ ، ثمَّ يقولُ اللهُ تعالى لأصحابِ الحقوقِ : ائْتوا إلى حقوقِكُم ، قالَ : فيقولُ اللهُ تعالى للملائكةِ خُذوا مِنْ أعمالِهِ الصالحةِ فأعطوا كلَّ ذِي حقٍّ حقَّه ، بقدرِ طِلْبَتِه ، فإنْ كانِ وليًا للهِ وفَضُلَ لَه مثقالَ ذرةٍ ضاعفَها اللهُ تعالى لهُ ، حتى يُدخِلَه الجنَّةَ بها، وإنْ كانَ عبدًا شقيًا ولمْ يفضُلْ لَه شيءٌ ، فتقولُ الملائكةُ ربَّنا فَنِيَتْ حسناتُهُ ، وبقِي طالبُوه فيقولُ اللهُ خذوا منْ سيِّئاتِهم فأضِيفُوها إلى سيِّئاتِه ثمَّ يُصَكُّ لهُ صكًّا إلى النَّارِ )قال – صلى الله عليه وسلم – : (مَنْ حَرَمَ وَارِثًا حَرَمَهُ اللهُ مِنْ مِيْرَاثِ السَّمَاءِ ولَو كانَ شِبْرًا مِنْ أرضٍ )وقالَ – صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم – : (مَنْ ظَلَمَ قَيْدَ شِبْرٍ مِنْ أرْضٍ طوَّقَهُ اللهُ مِنْ سَبعِ أرْضِين)
ويؤيِّدُ ذلك ما جاءَ مِنْ قولِ النبيِّ – صلَّى اللهُ عليِه وسلَّم -(أَتدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار)ِخرجه أحمد .
فإنْ كنَّا نريدُ الاستقرارَ والبرَكَةَ والنمُّوَ والتطوُّرَ والازدِهارَ ، فإنَّ هذا كلَّهُ مرتبطٌ بِرفعِ الظُلْمِ، وإعادةِ الحقُوقِ، والانتصارِ للمظلومِ والضعيفِ، وإقامةِ العدلِ .
Montaser1956@hotmail.com