سائق تاكسي على خطّ النار

سائق تاكسي على خطّ النار
سما حسن
أخبار البلد -   في تلك الساعة التي صدرت لنا الأوامر بمغادرة منطقة شمال غزّة إلى جنوبها، كنت أحاول البحث عن بعض الملابس بين أنقاض منزلي الذي تعرّض للقصف، ولكن مكالمة هاتفية وردتني من صديقةٍ تقيم خارج غزّة أخبرتني بهذه الأوامر التي تُذاع عبر شريط الأحداث خبرا عاجلا. وهكذا تركت مهمة نفض الركام وبقايا الأثاث والزجاج المهشّم، للوصول إلى بعض الملابس، وصحتُ بأفراد أسرتي وبصوت حازم أن علينا أن ننتقل إلى جنوب القطاع في أسرع وقت

مرّت بمخيلتي مشاهد النزوح في العام 1948، ولكن هذه المرّة ستكون بوسائل نقل ومواصلات حديثة. وكان علي أن أقرن قولي بالفعل، فركضتُ نحو الشارع الرئيسي الذي يتفرّع منه المجمّع السكني الذي نقيم فيه، وأشرتُ بيديّ نحو أول سيارة قادمة. ولحسن حظي، توقف السائق بمجرّد أنْ لوّحت له بيدي، وأدخلت رأسي من شبّاك النافذة وسألته في لهفة: هل تأخذنا إلى الجنوب وبالأجرة التي تريدها؟ فرد برأسه من دون كلمة، ولم يكن لدي فرصة لتأمّل وجهه أو هيئته. فقط رأيته ذراعين قويين عاريين يقبضان على مقود سيّارة حديثة

وهكذا كان يقف بسيارته أسفل البناية التي تعرّضت للقصف قبل يومين، وفيما تفوح منها رائحة الدمار كانت رائحة الخوف تفوح من أفراد عائلتي، وتخيّلتهم أوراق شجر خريفٍ متساقطة، وكنتُ متماسكةً أمامهم، ولكني كنت أكثرهم جفافا من الداخل، إلى درجة أنني أصبحتُ أسمع صوت تهشّم روحي يصم أذني

انطلقت بنا السيارة على الخط السريع المؤدّي إلى جنوب القطاع، وبدأ السائق محاولة تهدئتنا برواية مغامراته على الخط السريع، أي خط النار، منذ بداية أيام الحرب، وحيث ينقل كل يوم عائلات من الشمال إلى الجنوب، بعد اشتداد القصف في منطقة الشمال

في المقعد الخلفي من السيارة، ألقيت نظرة متفحّصة على وجه السائق، ودقّقت في ملامحه. وهكذا تحدّثت لأول مرّة منذ أصبحت داخل السيارة، ووجهتُ سؤالا إلى السائق واثقة من إجابته: أنت من منطقة جباليا الزراعية؟. ... ردّ ضاحكا مُثنيا على ذكائي. وهنا رأيت ملامحه بوضوح، فلديه أسنان مهشّمة توحي بأنه يسرف في التدخين، ووجهُه شاحبٌ بلا ملامح واضحه سوى ثقبين صغيرين لعينين، وغير ذلك لا يمكن أن تحدّد أنه يمتلك وجنتين وجبهة وذقناً مثلا، فكل ملامحه غائرة، وكأنه قد تحوّل إلى وجه مومياء، وعليك أن تهمس لنفسك أنك أمام نموذج حيّ للشقاء والتعب في هذه الحياة

تحدّث عن عائلته وأولاده وأحفاده، وأنه يُنفق عليهم من عمله سائقا، وأنه قد اشترى هذه السيارة بعد جهدٍ جهيد، وفيما يقوم أولاده وأحفادُه مع النساء بزراعة وفلاحة قطعة أرض صغيرة، فهو يعمل سائقا، ويعودُ كل يوم بمبلغ ليؤمن لهم نفقاتهم المختلفة

تحدّث عن أفراد عائلته الكبيرة، وأنه اليوم سوف يعود إليهم بغنيمة كبيرة إذا ما أسعفه الحظ، وقام بعدة "نقلات" من الشمال إلى الجنوب، فهو سيحصل في كل مرّة على مبلغ لم يحلٌم به. وهكذا سوف يؤمن رزق العائلة لأيام مقبلة. وقال لي، ونحن نقترب من مشارف المدينة الجنوبية، إن علي أن أوزّع رقم هاتفه على الأصحاب والمعارف ممن يرغبون بالنزوج على وجه السرعة. واكتشفت أنه قطع بنا المسافة في أقلّ من نصف وقتها المعتاد. وهكذا سجّلتُ رقم هاتفه مع كنيته "أبو ناجي"، وهمستُ لنفسي في "أمنية ودعاء"، عسى أن يكون لك من اسمك نصيب

في ساعات المساء، تذكرت السائق الشاحب المتعب المُسرع، والذي تهلّل وجهه بفرحٍ لا يمكن وصفُه حين نقدتُه ورقة كبيرة. وقررت أن أتصل به لأطمئن عليه وعلى عائلته وإخباره أنني قد وزّعت رقم هاتفه على عائلات كثيرة، ولكن هاتفه لم يكن يردّ. وفيما كنت أستمع للأخبار المتوالية، عرفتُ أن منطقة سكنه قد تعرّضت لقصفٍ رهيب. وهكذا لم أقرّر أن أتّصل به ثانية، وتكوّرت في مكاني وبكيت
شريط الأخبار وفيات الأردن اليوم الخميس 12/6/2025 التربية تفصل سبعة موظفين لتغيبهم المتكرر .. أسماء طقس حار والحرارة أعلى من معدلاتها بـ 5 درجات الجيش الإسرائيلي يعلن استعادة جثتي أسيرين من خان يونس القوات المسلحة تخلي الممرض الذي أصيب خلال عمله في المستشفى الميداني في غزة استنفار أمني أميركي في الشرق الأوسط... إخلاءات لسفارات واشنطن بالعراق والكويت والبحرين... وإيران تصعد! "الحسين للسرطان" استقبل 110 مصابين من قطاع غزة منذ بداية الحرب مهم من فرق الإنقاذ حول شاب حوصر داخل بئر ارتوازي في العقبة عطية يطالب بتوضيحات حول العفو العام ومشاريع معلّقة سقوط صاحب الظلّ الإلكتروني بعد أشهر من الطعن بالعدالة سجن 3 موظفين في بنك 5 سنوات وتغريمهم 15 ألف دينار إدارة أمن الجسور تسهل إجراءات عودة 6500 حاج فلسطيني وزير دولة لتطوير القطاع العام: الحكومة مهتمة برقمنة جميع خدماتها شقيق الطيار معاذ الكساسبة يروي ألم عائلته خلال محاكمة جهادي في السويد كيف خسر ماسك من "لعبة البيت الأبيض" وتحدي ترامب؟ وصول 4 أطفال من غزة تم إجلاؤهم بواسطة طائرات سلاح الجو الملكي الموسوعة القانونية ومحامي الحريات الصحفية المعروف محمد القطيشات عضوا في مجلس إدارة التلفزيون رجل مناسب في المكان المناسب البنايات المهجورة في عمّان "اللي بدري بدري واللي ما بدري الله يعينه" طارق البيطار سيرة ومسيرة قوية في خدمة الاعلام ومهارة وكفاءة ومعرفة.. "مبروك اختيارك عضواً في مجلس التلفزيون الاردني" صندوق استثمار أموال الضمان يحتفي بالمناسبات الوطنية: عهد من الإنجاز ومسيرة مؤسسية راسخة