أخبار البلد - تدور في الجامعات الأمريكية، وبخاصة في جامعة ستانفورد، هذه الأيام نقاشات ساخنة عن حرية التعبير، أو مدى حرية التعبير في الجامعة، وبخاصة عند الطلبة.
لقد قام عدد من أساتذة جامعة ستانفورد بإبداء آرائهم في هذا الموضوع المهم.
قال الأول- جيل باتون- المحرر الرئيسي لمجلة الخريجين-: ليس من السهل تقديم أجوبة لكيفية معالجة الجامعات للصراعات التي يشعر فيها الطلبة لأنهم مستهدفون أو يصمتون. إن الهدف الرئيس للجامعة توليد المعرفة، ولا توليد لها إلا بالتبادل الحر للأفكار. نعم، إن الصف/ الفصل ليس زاوية في طرف الشارع، لأنه لا صف/ فصلاً مكاناً للتعلم بدون التعهد بمعايير اللطف/الأدب (Civility) والإحترام المتبادل. لقد بقينا لسنين نجادل فيما إذا كانت الجامعة مقيدة تعسفياً. وإذا كان الأمر كذلك فما العمل؟
وقال الثاني–رالف ريتشارد بانكس- أستاذ القانون في جامعة ستانفورد-: إن الكلمة خطيرة، مما يوجب علينا اختيارها بعناية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بالموضوعات الجدلية والاستقطابية كالإجهاض، أو عقوبة الإعدام، أو التمييز الإيجابي «المكارم».
لعل من السهولة بمكان توصل الصف/ الفصل إلى توازن ولكن غير منتج، حيث لا يجرؤ بعض الطلبة على التكلم خوفاً من الرقابة، بينما يطرح آخرون منهم آرائهم بثقة لاعتقادهم أنها صحيحة وغير قابلة للنقاش، فيما يعبر آخرون عن تعصبهم. وعليه فإنه من غير المحتمل أن لا يُقدم الطلبة على تقديم مشاركات ثقافية مفيدة إذا كانوا يشعرون بأنهم سيُهاجمون، أو لأنهم لا يشعرون بأنهم ينتمون إلى الجامعة.
ويضيف: يوجد عاملان يقضيان على الجدل في حرم الجامعة: الأول: بروز وسائل التواصل الاجتماعي، أو -على الأصح- هيمنتها كوسائل يستطيع الشباب من خلالها الانتساب إلى آخرين، والتعلم عن المجتمع. إن ما يحدث داخل الصف/ الفصل الآن يشكله ما يمكن أن يحدث خارجه. إن التعليقات والمداخلات داخل الصف/ الفصل يمكن إتاحتها للعالَم فوراً، وإن رعاع وسائل التواصل الاجتماعي لا يرحمون ولا يتسامحون.
الثاني: رغبة الطلبة في الانقضاض على الآخرين الذين يبدون مشاعر غير مقبولة. إن جزءاً من هذا الميل إلى الإنقضاض نابع من القلق أو عدم الشعور بالمسؤولية.
يحيل الطلبة إلى الدقة للدقة واليقين، أو إلى مجال أيديولوجي آمن! ويمكن لهذا التجمع من القوى أن يؤدي إلى صف/ فصل غير ديناميكي حين يكون أفضل الطلبة تفكيراً أقلهم تعبيراً/تاركين النقاش مهيمناً عليه من الطلبة الأكثر تطرفاً، والمدعين باستقامتهم وطهارتهم.
ومما يزيد الأمر سوءاً أن أقرب النماذج إلى الطلبة وهم الهيئة التدريسية/ الأساتذة والمدرسون ليس بأفضل كثيراً في نقاش القضايا الجدلية أو المحورية، من الطلبة. انهم يتجنبون أن يقبض طلبتهم عليهم أنهم عنصريون، أو يميزون بين الجنسين، أو طبقيون.... إنهم في كثير من الأحيان لا يناقشون (عقلانياً) القضايا المثيرة للخصومة.
يقوم الأساتذة بالعمل الصحيح إذا قاوموا الضغط نحو التظاهر بالاستقامة الذاتية الكاملة. إن عليهم بدلاً من ذلك تبني الإحساس بالتواضع مع الوعي الكامل بجدوى ما يفهمون ويعرفون. يجب أن يقود حب الاستطلاع إلى البصيرة أكثر مما يقود إلى اليقين. يجب عليهم وبكل حسن نية تفسير وجهات نظر الآخرين، وأن الطلبة قد ينتقدون وجهات نظرهم لا أشخاصهم و هوياتهم.
وقال الثالث–ماركل ماكونيل- أستاذ القانون الدستوري ومدير مركز القانون الدستوري في الجامعة-: يجب أن تكون حرية التعبير هي القيمة الأولى في الجامعة. لكن يبدو أن خلق الناس حتى في الكليات والجامعات يضيق بحرية التعبير، فقد أفادت استبانة قومية عن مطالبة 57% من 2225 من الكليات والجامعات إداراتها بتقييد وجهات النظر السياسية المؤذية والمغيظة للآخرين (خطاب الكراهية) مما يجعل مناقشة القضايا السياسية المهمة مستحيلاً.
يدعي الطلبة المحافظون أنهم لا يشعرون بحرية التعبير عن وجهات نظرهم. وحتى الأكثرية من الطلبة تخشى اجتذاب سيلٍ من الإساءة عليهم من زملائهم أو من الرفض الَعرَضي لهم من أقلية صغيرة من الأساتذة الأيديولوجيين غير المتسامحين. ولهذا تلجأ هذه الأكثرية إلى مراقبة النفس ذاتياً، أو إلى إغلاق أفواهها.
إن لإسكات المخالفين أو المختلفين سياسياً في الموضوع مثل القانون والعلوم السياسية والتاريخ، والإنسانيات، وحتى الطب نتائج وتداعيات مدمرة. إن هدف الجامعة هو السعي دون توقف إلى الوصول إلى الحقيقة، ومن خلال العقل والدليل. إن على الجامعة تشجيع التنوع في الآراء بكل ما تستطيع من نشاط. يجب أن لا تكتفي بحماية حرية التعبير. يجب عليها اعتبار التعددية في الآراء متطلباً تربوياً ضرورياً، واقترح ما يلي:
أولاً: إجراء مسح لبنية الحرم الجامعي لتحديد/ معرفة عوائق التعبير عن الآراء المخالفة فيه: هل يشعر الطلبة ذو الآراء المخالفة لرأي الأكثرية بأنهم مُسْكتون؟ هل يتفاعل معهم بقية الطلبة؟ هل الصف/ الفصل مكان مفتوح وآمن للنقاش والتعبير الحر؟
ثانياً: يجب أن يكون دور الجامعة في المجتمع وكمركز رئيس لحرية التعبير جزءاً من تهيئة الطلبة الجدد (Orientation). ولعله يجدر بكل جامعة تعيين كتاب كيث وينتجتن:
Speak Freely: Why Universities Must Defend Free Speech كمتطلب جامعي لجميع الطلبة الجدد.
ثالثا: إقامة مكتب في إدارة الجامعة مهمته حماية حرية التعبير والاستقصاء، فحرية التعبير ليست الزاماً قانونياً فقط. إنها قيمة أكاديمية أيضاً.
أما الأستاذة هزل روز ماركوس- أستاذة العلوم السلوكية- فتقول: يجب أن لا نكتفي بحماية حرية التعبير أو الفم، وإنما حماية الإنصات (الأذن) أيضاً، وأن لا نحابي أحداً على الآخر كما نفعل الآن. لقد نالت حرية التعبير (الفم) قصب السبق التاريخي والتأثير الفلسفي والأخلاقي على الإنصات، فمن خلال الحديث/ الكلام يعبر الناس عن حقوقهم وفردياتهم، ويؤثرون في عوالمهم. إن حرية التعبير مضمونة في التعديل الأول للدستور. وقد قيل: إن أفضل طريقة لمجابهة المزيد من حرية التعبير، هو المزيد من هذه الحرية. ولكن الفم أو الصوت الأعلى لسوء الح? يقتل أحياناً. وتضيف: هل الكلام أهم طريقة للتأثير في العالم؟
إنني مسؤول عن حريتي في التعبير فلا أهدد أحداً أو أستثنيه. ويجب علي الانتباه إلى ذلك. إن للإنصات مجموعة من القيم والمهارات القائمة أن للسؤال الواحد أكر من جواب واحد صحيح، وأنه عندما يتحول الصف/ الفصل إلى مجتمع فإن كل واحد فيه يتكلم.
وأخيراً: وكما ترى الأستاذة ديبرا ساتز – عميدة كلية الإنسانيات والعلوم والأخلاق في الجامعة-، فإن العائق الأكبر لحرية التعبير في الصف/ الفصل هو الرقابة الذاتية. إن كثيراً من الطلبة يخشون التصريح بآرائهم المخالفة للرأي المهيمن لأقرانهم. وتضيف: يقول جون ستيوارت مل: إن ظلم العرف واستبداده لاتباع وجهة نظر الأكثرية أو البقاء صامتاً، هو مصدر الخطر الأكبر على حرية التعبير. لعل أفضل طريقة للتغلب على الصعوبات الطبقية أو على الجزم أو التجبر الفكري (Dogmatism) هو استخدام الأسلوب السقراطي في التعليم، فسقراط كان يؤمن بوج?ب إخضاع معتقداتنا للضغط عليها بأمثلة مضادة وأسئلة ناقدة إلى أن يُكشف زيفها.
أما الأسلوب الثاني للقضاء على الجزم والتجبر فهو تبني رأي الشيطان مؤقتاً في مناقشة وجهات نظرنا المحبوبة وغير المنازعة. إن المعلمين والمتعلمين ينامون كلما وعندما يعتقدون أنه لا عدو خارج البيت، كما يقول جون ستيورات مل.
وبهذه المناسبة أذكر أنه يوجد منطقة في جامعة ستانفورد مخصصة للتعبير الحر: Stanford Free speech zone.