ولدت سلمى الخضراء الجيوسي في مدينة السلط بالأردن، وكانت الطفلة الأولى لأب فلسطيني وأم درزية لبنانية
ونشأت سلمى الجيوسي في حي البقعة في القدس الغربية، ثم انتقلت مع أسرتها إلى مدينة عكا، وقد تربت على الحرية التي أتاحها لها والداها، والثقة التي منحاها إياها، ما جعلها قادرة على اتخاذ قراراتها بنفسها دون قيود
وحصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي، من «مدرسة العلوم الشرقية والأفريقية» (SOAS) عام 1970، وكانت أطروحتها «الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث»، بداية مسارها نحو الاهتمام بمنهجية دراسة الأدب
ثم حصلت على بضع زمالات دراسية لإنجاز مشاريع محددة مثل: زمالة من جامعة مشيغان، وزمالة الفولبرايت في سوريا والأردن وفلسطين
وبدأت سلمى حياتها العملية في مجال التعليم، فبعد حصولها على شهادة البكالوريوس عادت إلى القدس وبدأت بالتدريس في «كلية دار المعلمات»، لكنها اضطرت إلى ترك مهنتها عند انتقال الأسرة للإقامة في الأردن عام 1948
برزت موهبة سلمى الخضراء الشعرية في سن مبكرة، فكتبت أول قصيدة وهي في العاشرة من عمرها، إلا أن والدها نصحها بألا تكتب الشعر إلا بعد أن تتعلم العربية وتتقن دراسة مناهج الشعر وضوابطه
أصدرت عام 1960 مجموعتها الشعرية الأولى «العودة من النبع الحالم»، كما ترجمت في هذه الفترة أعمالا مختلفة من الإنجليزية إلى العربية، منها كتاب لويز بوغان «إنجازات الشعر الأميركي في نصف قرن»، وكتاب رالف بيري «إنسانية الإنسان»، وشعر وتجربة أرشيبالد ماكليش، وروايتا لورنس داريل «جوستين» و»بالتازار»
عملت الجيوسي في الإذاعة والصحافة لفترة وجيزة، قبل أن تبدأ مسيرتها الأكاديمية، فبعد حصولها على شهادة الدكتوراه درّست الأدب العربي في أنحاء مختلفة من العالم، فعملت في جامعة الخرطوم بين عامي 1970 و1973، ثم انتقلت إلى الجزائر حيث درّست في جامعة الجزائر بين عامي 1973 و1975
وفي عام 1973 دُعيت من قبل «رابطة دراسات الشرق الأوسط في أميركا الشمالية» (MESA)، لإلقاء محاضرات في الولايات المتحدة وكندا شملت 22 جامعة، وبقدر تقدير الأوساط الأكاديمية الغربية لمكانة سلمى العلمية، بقدر إدراكها لمدى جهل الغرب بالتراث الفكري العربي
ثم أتيحت لها فرصة العودة إلى الولايات المتحدة عام 1975، وكان لها دور في الأوساط الأكاديمية بمنصب أستاذ زائر للأدب العربي، فدرّست للمرة الأولى في جامعة «يوتا»، ثم في جامعات أخرى في ميتشيغان وواشنطن وتكساس
وكانت على مدى السبعينيات من القرن الماضي تنشر مقالاتها في العواصم العربية، كالقاهرة والخرطوم وتونس والكويت، كما نشرت أطروحة الدكتوراه بالإنجليزية عام 1977، والتي أصبحت فيما بعد مرجعا مهما يُدرس في الجامعات الغربية
وفي عام 1979 دعيت إلى كلية «بارنارد» في جامعة كولومبيا، وألقت محاضرة بعنوان «وضع الكاتب العربي اليوم»، وكان مدير دار جامعة كولومبيا للنشر حاضرا، فاقترح عليها التعاون معه في نشر مجموعة من الأدب العربي الحديث مترجما
ومن هنا جاء قرارها بترك التدريس والتوجه لتأسيس مشروع خاص بها للترجمة، يهدف إلى نقل الثقافة العربية إلى العالم الناطق بالإنجليزية، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لدى الغرب عن الحضارة العربية. وبدأ مشروعها عام 1980، بالتعاون مع عدد من الأساتذة في جامعة ميتشيغان، وأطلقت عليه اسم «مشروع الترجمة من العربية» (بروتا)
وكانت تتابع أعمال «بروتا» بالتفصيل، وبالتعاون مع عشرات المترجمين والمحررين والباحثين المنتشرين شرقا وغربا من العرب والأجانب، ولم يكن هناك مقر رسمي لمؤسستها، فكانت منازلها في بوسطن ولندن وعمّان بالإضافة إلى الفنادق هي مكان العمل
وأول رواية اختارتها للترجمة كانت رواية «المتشائل» لإميل حبيبي، وتدور أحداثها حول واقع فلسطينيي 48 تحت الاحتلال
وفي عام 1985، كُلفت من أكاديمية جائزة نوبل بإعداد دراسة حول وضع الأدب العربي، لاستخدامها في تقييم أدباء عرب لجائزة نوبل، ووفقا لدراستها تم اختيار نجيب محفوظ عام 1988، ودعتها الأكاديمية إلى ستوكهولم لحضور حفل توزيع الجوائز تقديرا لدورها. وكانت أول موسوعة لها هي «موسوعة الشعر العربي الحديث»، وقد بدأ المشروع بتمويل قطري، من خلال مندوب قطر في الأمم المتحدة جاسم جمال، ثم استمر بعد ذلك بالتعاون مع وزارة الإعلام العراقية
واستغرق المشروع من الفكرة إلى النشر نحو 7 سنوات، وتم نشر الموسوعة التي تضم أعمالا لـ93 شاعرا عام 1987
ثم بدأت الجيوسي بتحرير موسوعة «الأدب الفلسطيني الحديث»، والتي صدرت عام 1992، وضمت 232 قصيدة و25 قصة قصيرة، و14 مقتطفا لأكثر من 70 كاتبا فلسطينيا، كإميل حبيبي وسحر خليفة ومحمود درويش وجبرا إبراهيم جبرا وفدوى طوقان، وتسرد ال روايات عن الاحتلال والتشريد والسجن والمقاومة قبل وأثناء وبعد عام 1948
في عام 1990 أطلقت الجيوسي مشروعها الثاني «رابطة الشرق والغرب» بهدف عرض الحضارة العربية والإسلامية قديما وحديثا بالإنجليزية، عبر مؤتمرات أكاديمية شاملة ومتخصصة، ودراسات بأقلام عربية لإزالة المفاهيم الخاطئة والآراء النمطية عن ثقافات العالم العربي الإسلامي
وكانت سلمى الجيوسي منذ منتصف الثمانينيات، تبحث عن راع لتمويل كتاب حول الحضارة الإسلامية في الأندلس، لنشره بمناسبة مرور 500 عام على سقوط الحكم الإسلامي في الأندلس
وفي نهاية الثمانينيات، قَبِل الآغا كمال خان حسن الدين خان تمويل المشروع، فصدر عام 1992 في الذكرى المئوية الخامسة لنهاية الحكم الإسلامي في الأندلس
وأسفر المشروع عن موسوعة ضخمة، تشمل 49 حقلا من حقول الحضارة الإسلامية في الأندلس، بمشاركة أكثر من 40 أستاذا متخصصا، من أميركا وأوروبا والعالم العربي
ثم عملت على إنجاز وتحرير مشروع حول مدينة القدس، ضم كتبا نشر أولها عام 2005، وضم مقالات وذكريات وقصائد، تتضمن روايات لكتّاب وفنانين وشعراء فلسطينيين وعلاقاتهم بالقدس
وفي سنة 2009 نشرت كتابها الموسوعي «حقوق الإنسان في الفكر العربي: دراسات في النصوص»، وفيه البراهين على عمق التراث العربي الفكري في حقوق الإنسان، في مراحل تسبق اهتمامات الغرب بها
حصلت على عدد كبير من التكريمات ونالت جوائز وأوسمة تقديرا لإنجازاتها المتميزة