أخبار البلد ــ لم تتوقف دائرة البطالة في الأردن عن التوسع خلال السنوات العشر الماضية لتصبح اليوم أكثر اتساعاً وخطراً مع استمرار تعاظم معدلاتها بشكل غير مسبوق وبقفزات قياسية خلال العامين الماضيين. ورغم ما للعوامل الموضوعية الخارجية من تداعيات كورونا وغيرها دور في تفاقم مشكلة البطالة أردنياً، فإن السياسات الداخلية والخلل الهيكلي في سوق العمل والإعداد المهني، والشراكة بين القطاعين العام والخاص الدور الأكبر في تفاقم المشكلة واتساعها، ومراوحة الحلول مكانها دون تقدم حقيقي.
ورغم وجود الإرادة السياسية في الدستور الأردني منذ عام 1952 بما يتعلق بالحق في العمل، ووجود أكثر من 17إستراتيجية متعلقة بالتوظيف ومحاربة البطالة، إلا أن هذه الإستراتيجيات لم تسفر عن أي تطور، بل اصطدمت بتحديات بيروقراطية عدة.
وهذا ما تبحثه دراسة منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (أرض)، والتي يتم إجرائها ضمن جهود منتدى التنمية البشرية والاقتصادية (هدف) تحت عنوان "بطالة الشباب في الأردن: استراتيجيات معطلة ووعود مؤجلة"، وتسعى إلى تحليل اتجاهات وخصائص وأسباب البطالة بين الشباب الأردني فضلاً عن أسباب قصور مختلف تدابير التشغيل والاستراتيجيات التشريعية التي اعتمدتها الحكومات الأردنية المتعاقبة حتى الآن لمعالجة هذه القضية الوطنية، وصولاً لتوصيات تهدف إلى تسهيل وصول الشباب في الأردن إلى العمل اللائق ورفد الاقتصاد الأردني.
وتصل نسبة البطالة في الأردن اليوم إلى نحو 25% من الفئة القابلة للعمل، فيما تزيد لدى النساء إلى أكثر من 33%، وتشير ذات الإحصاءات الرسمية إلى أن 59.3% من المتعطلين عن العمل هم من حملة شهادة الثانوية العامة فأكثر. وتصل نسبة البطالة بين الذكور من حملة البكالوريوس فأعلى إلى 29.5%، بينما تقفز لدى الإناث إلى 81.8%. فيما بلغ معدل البطالة في الربع الأخير من العام الماضي 2022 بين الشباب في الفئة العمرية 15- 24 نحو 46.9%، بينهم 42.1% للذكور مقابل 67.5% للإناث.
من جهتها؛ اعتبرت المديرة التنفيذية للنهضة العربية (أرض)، سمر محارب، أن "كل الحلول الحكومية المطروحة في الاستراتيجيات السابقة عمقت الفجوة بين المشكلة والحل الأمثل، وزادت في تقاعس الأفراد العاطلين من المشاركة في البحث عن حلول مجدية مستدامة، فالعاطلين عن العمل يعانون من ضائقة نفسية واجتماعية وتدني احترام الذات نتيجة للاحتياجات اليومية المعنوية والمادية غير الملباة، وكذلك انعدام اليقين بشأن المستقبل وفقدان الأمل بتحقيق الطموحات الشخصية".
ورأت أن "كل ذلك وغيره، يدفعهم لعدم رؤية الحل والسعي خلفه"، لافتة إلى أن القطاع خاص والمجتمع المدني مكبلان، ولا يجدان المجال ضمن التشريعات الحالية وبيروقراطية الإجراءات الحكومية ليكونا جزء حقيقي من الحل، لذا وفي يوم العمال نطلق هذه التوصيات لعل من يستمع لنا قبل فوات الأوان، وتصبح الحلول غير مجدية أبداً".
وفي سياق ما جاء في الدراسة التحليلية، يعتبر عدم التوازن في جانبي العرض والطلب أحد الأسباب الرئيسية لبطالة الشباب في الأردن وخاصة في ظل ابتعاد الشباب عن التخصصات المهنية المطلوبة وقصور التعليم في توفير المهارات العملية كذلك. كما بينت الدراسة تفشي البطالة خاصة بين النساء نظراً إلى قصور خدمات رعاية الأطفال، واستمرار الأطر القانونية التمييزية بين الجنسين، بالإضافة لبعض الأعراف الاجتماعية من بين أمور أخرى، والتي تفسر المعدلات الضعيفة لمشاركة المرأة في سوق العمل.
أما بخصوص القطاع الخاص؛ فذهبت الدراسة إلى ضرورة إنفاذ أحكام قانون العمل بشكل أفضل في المؤسسات الخاصة من أجل تعميم بيئة العمل اللائق، وتظافر جهود الحوار والتعاون بينه وبين الحكومة والنقابات العمالية لتحسين ظروف العمال، بالإضافة إلى تهيئة بيئة تشجع المبادرة والريادة بشكل أفضل (بما في ذلك ريادة الأعمال الاجتماعية) وتحفز الاستثمارات لاسيما في المشاريع الصغرى والصغيرة والمتوسطة، والعمل مع المؤسسات التعليمية لتحسين قابلية توظيف الشباب وإطلاق حملات توعية بين اليافعين والشباب حول أهمية التدريب المهني/ الفني للوظائف وفرص العمل في القطاع الخاص.
كما تبين الدراسة أن هناك عوامل عديدة تعيق عدم انطباق الاستراتيجيات وتنفيذها؛ منها عدم شمول الجهات المعنية والفاعلة في عملية تطوير الاستراتيجيات مثل (مؤسسات المجتمع المدني، الشباب، وغيرهم)، وكذلك توزيع الاستراتيجيات بشكل مجتزأ وغير شمولي؛ مما يشكل صعوبة في خلق التفاهمات والتقاطعية في العمل، ويؤدي إلى تكرار الجهود بأقل قدر من الأثر، إلى جانب كثرة التعديلات الحكومية للأشخاص في مواقع صنع القرار.
حكومياً؛ مطلوب تحديث خدمات التوظيف والرقابة على بيئة العمل، وزيادة الاستثمارات العامة في المشروعات الصغيرة والمتوسطة وتوسع القطاع الصناعي في المحافظات على وجه الخصوص، إضافة إلى ضرورة تصميم استراتيجية توظيف سليمة تأخذ في الاعتبار تطور سوق العمل والاقتصاد الأردني، وأيضاً إشراك منظمات المجتمع المدني ذات الصلة والجهات الفاعلة في القطاع الخاص والنقابات العمالية في تطوير وتنفيذ هذه الاستراتيجيات.
بالنتيجة؛ هناك ضرورة لتحديث الاستراتيجية الوطنية للتشغيل على نحو مستمر ضمن المعطيات والبينات على أرض الواقع، ولا بد من إعادة النظر في التشريعات العمالية تجاه حماية العاملين بشكل أكبر، لتستند إليها الاستراتيجية في خلق فرص عمل لائقة تجذب العاملين، وكذلك إجراء الدراسات والأبحاث تتناول المهن المستقبلية المطلوبة وتحفيز الشباب للتوجه لها، والأهم من ذلك تفعيل استراتيجيات التشغيل والعمل بخطط واضحة وتطبيق ما جاء فيها بشكل فعال.