وقد يشكل التقارب السعودي الإيراني، وإعادة سوريا للجامعة العربية سببا آخر لنتنياهو، للقيام بمغامرة عسكرية يعتقد أنه يستطيع من خلالها وضع بعض العراقيل أمام هذه المتغيرات. وكما هو معروف فلقد انتظرت دول الخليج سنوات على
أمل أن يغير التطبيع مع إسرائيل موازين القوى في المنطقة، ولكن شيئا من هذا لم يحدث، كما تبين أن " الخطر الإيراني" قد تحول إلى سلاح بيد إسرائيل تستخدمه وتقدم نفسها أنها المنقذ والمتصدي لهذا الخطر.
ومما يجعل الحرب مؤجلة، هو انشغال الدول الكبرى في الحرب في أوكرانيا، ولا ترغب هذه الدول بإشعال حرب أخرى مرهقة لها واقتصادياتها، بالإضافة إلى أنه قد تتوسع وتجر البشرية إلى حرب عالمية ثالثة. وعلى ما يظهر فإن لا أحد يريد في هذه المرحلة حربا، بل سنرى محاولة للجم الأمور وعدم السماح أن تخرج التوترات عن السيطرة، فاللعبة التي تشهدها منذ أكثر من عقد ستتواصل، مناوشات وتوترات وليس إلا.
صحيح أن نتنياهو يرغب بأي عمل قد يجعله يكسب معركته مع المعارضة الداخلية ويستعيد من خلالها شعبيته، لكن السؤال ما هو الثمن؟ كما ليس هناك من ضمانة من أن يخرج من أي حرب يفتعلها رابحا.
ومع ذلك تظل المنطقة حبلى في حرب، هكذا تقول المؤشرات الملموسة، لكن لا أحد يريد هذا المولود في هذه المرحلة، وقد ننتظر حتى الصيف أو الخريف، لربما خلال ذلك تكون الحرب في أوكرانيا قد أفرزت ميزان قوى جديدا يسمح بحرب فرعية أخرى. ومما لا شك فيه أن واقع الشرق الأوسط قد وصل إلى لحظة لا يمكن الاستمرار معها ضمن ميزان قوى لا ترى فيه إسرائيل نفسها فيها غير متفوقة وقوة ردعها متآكلة، وبالمقابل فإن طهران التي بدأت تشعر أنها سجلت بعض النقاط لصالحها. ولا تريد
أن تخسرها خاصة تقاربها مع السعودية ودول الخليج النفطية.
العقبة الأهم أمام اشتعال حرب الإدارة الأميركية، إدارة الديمقراطيين برئاسة بايدن، فهذه الإدارة لا تريد حربا في المنطقة قد تطيل من بقاء نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة والشعبوية، فالديمقراطيون يريدون أن ترحل هذه الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية في خريف العام 2024، لأن نتتياهو إن بقي في منصبه سيكون أكبر معين لليمين الأميركي بزعامة ترامب أو من هم على شاكلته. وكما هو حال الشرق الأوسط معقد ومتوتر جدا فإن قرار الحرب لا يقل تعقيدا، فهو قرار لا يستطيع طرف بعينه التحكم به، فالحرب مؤجلة ولكن التوتر مستمر وإلا لما كنا نتحدث عن الشرق الأوسط المعروف بعدم الاستقرار.