ذات زمان مضى كنا نسمع عن دوافع محدودة للجريمة كالثأر أو كجرائم الشرف مثلاً، صحيح أن نسب ارتكابها قد قلّت- والحمد لله–إلا أن ما يُرتكب في مجتمعنا الآن من جرائم يعود لأسباب كثيرة ومتنوعة، وإن كان تعاطي السموم من مخدرات وبأنواعها القاتلة، يقف في مقدمتها.
الأسرة ودورها المحوري والأساسي أولاً، والمدرسة وأساتذتها، والجامعات وأكاديميوها ومراكز نشاطاتها، ودور العبادة بوعاظها وأئمتها، والدولة بأجهزتها، كلها في عين العاصفة للتصدي لهذا الإجرام البشع الذي يسلب منا أعزاءنا وأحبابنا وإنساننا رأسمالنا.
تُربي ابنك لتراه قدوة في الخُلق والسلوك القويم، ونستوصي بالجار خيراً، كما أوصانا حبيبنا المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، تحافظ على علاقة طيبة مع هذا الجار لتراه عوناً وسنداً في الأفراح والأتراح والشدائد، لا أن تتشاجر معه على اصطفاف موقف سيارة مثلاً!!! وتصل الأرحام لتنال ثواب الله، هؤلاء العلاقة بهم وبغيرهم يجب أن تسودها روح الفداء والإيثار والتضحية عنهم لا أن يكونوا الضحية والمقتولين.
ما أصعب أيامنا هذه التي تغيرت فيها قيمنا وأخلاقنا ومبادؤنا التي علينا أن نعض عليها بالنواجذ، بل أطلقنا عليها رصاصة القتل غير الرحيمة أو كانت الأداة سكيناً حادة مشحوذة بالحقد والكراهية وغياب العقل.
وحقيقة الحال؛ أن هناك علاقة وثيقة بين أعداد المجرمين وفوائد الجريمة؛ فكلما ازدادت فوائد الجريمة ازداد عدد المجرمين، وينقص بتزايد احتمالات القبض على المجرم أو رفع كلفة العقوبة عليه: مادياً ومعنوياً.
وأقول أيضاً إن الطرق التي تحدَ من هذا الإجرام وربما منعه: إن الارتقاء بالتعليم الجامعي والمدرسي؛ وترسيخ العدالة؛ وثقافة احترام القانون وسيادته؛ وعدم الإفلات من العقوبة؛ وإعادة صياغة التعليم والاستثمار فيه والاهتمام بجودته وفقاً لمبادئنا وقيمنا التي ترفع من مستوى الاهتمام بالمعلمين، هو الملاذ الآمن والعلاج لهذه الأزمة المجتمعية.
أو ليس التعليم الراقي المتميز الذي هو نقيض الجهل والتخلف والتعصب، هو عنوان تقدم الأمم والمجتمعات: خُلقا؛ وسلوكاً؟.
ستبقى الجريمة بتعريفها العالمي هي كل فعل فيه انحراف عن المعايير الجمعية والقانونية.
اللهم اصلح لنا دنيانا التي فيها
معاشنا، واصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واحفظ وطننا: قيادة وشعباً من كل شر ومكروه وبلاء يارب.