عرين الأسود، ظاهرة حديثة في النضال الفلسطيني المستعصي ضد الاحتلال الإسرائيلي، انبلجت بعد فشل الجهود الشعبية والرسمية الفلسطينية في دحر هذا الاحتلال عبر مئة سنة من العذاب والاضهاد والقمع ؛ ثورات واضرابات واعتصامات منذ عشرينيات القرن الماضي، ثم كفاح مسلح و فصائل وحركات وأحزاب ، ثم انتفاضة حجارة ، ثم انعطافة سلام استمرت ثلاثين سنة من الخداع ، وما زالت مستمرة، ثم انتفاضة مسلحة، ثم انتفاضة سكاكين، (ثلاث انتفاضات في اقل من ثلاثين سنة) دون ان يتم تحرير متر فلسطيني واحد من الأرض التي احتلتها إسرائيل قبل ست وخمسين سنة، فجاءت "عرين الأسود" من عدد محدود من الشبان اليافعين في منطقة محددة بمدينة نابلس ، فتفتق العقل الصهيوني الأمني الاستخباري الإرهابي بضرورة القضاء عليها في مهدها، ورغم ان إسرائيل أصبحت خبيرة فيما تسميه "الإرهاب" او "القضاء على الإرهاب"، الا انها لم تحسن قراءة الظاهرة ، ولا من اين انبلجت ، ولا الظروف التي أدت لظهورها ، ولا الى اين يمكن ان تذهب وتتطور ، بل وجدت اكثر غباء في من نصحها ان يتم تفكيكها بالحسنى و شراء سلاحها وتوظيف عناصرها في الأجهزة الأمنية الفلسطينية ، هكذا تم التعامل من قبل مع كتائب شهداء الأقصى قبل حوالي عشرين سنة .
فشلت جهود القضاء على العرين ، سواء بالطريقة التقليدية المتمثلة في اغتيالهم و اعتقالهم ، او بالطريقة الدبلوماسية المتمثلة في شراء ذممهم عبر المال والوظائف والامتيازات. لم يدرك "الخبراء" الإسرائيليون ومن معهم في المحيطين الإقليمي والدولي كنه ومضمون أبناء الحركة المقاومة الجديدة ، حتى جاءت المجزرة الأخيرة في نابلس قبل أيام ، فأصبحت الحركة بمثابة عرينا لكل الشعب الفلسطيني وفصائله واحزابه ، وهذا ما جسدته دعوتهم الخروج الى الشوارع بعد منتصف الليل ، فخرجت الجماهير في مدن الضفة الغربية، وكذلك في قطاع غزة ، أكثر مما يخرجون في أي واجب مقدس آخر .